كانت حركة الغناء تنقلها ريح الشمال وشمس الأصيل وورد النيل والنخيل والليل لما خلي والمراكبي التايه وجندول المجدفين في فينسيا وسوق يا اسطي لحد الصبحية - حنطور تشارك حوافر حصانه دبيب قلب المحبين فحتي الحصان «يوقع» «تمبو» الحب والغناء بطيء - حنون - وحلو وراق وسماوي رغم الحوافر والحناطير و«الجناديل» والمناديل وعندما تولي «تجار الخرسانة» تجارة الغناء ودخل للساحة مغنون من شيالي المحطة ونقاشي الميناء ومدمني السعال من خريجي الأمراض الصدرية ومسدودي الأنوف - ودخل ميدان الغناء قطيع من ماعز الصحراء وتياتل البيداء وحمير الفقراء - أصبح الغناء يسير علي أربع ولهذا أصبح أسرع وأوقع، أنطع وليس أرفع أبشع وليس أمتع ولأن كل حمار معجب بحماره فلابد وأن ينتج له أغنية مصورة مدورة ومحمرة لكي تذاع في التلفاز تكرر صباح مساء بمناسبة وبلا مناسبة. ولقد شاهدت إحدي هذه الأغنيات المصورة تعوي بوجه جامد الملامح مصبوب بالشمع يشبه وجه عزرائيل المنحوت فوق سور كنيسة «النوتردام» في باريس - وجه بارد ميت لا يعبر إلا عن معني واحد هو الموت - وهذا هو «المترب» نسبة للتراب - أعني هذا هو المطرب «نسبة للطربة» أو هذا هو «المرطب» نسبة للرطوبة - جامد الوجه كالح الخلقة - حدفوه علينا بلا سبب - وجاء المخرج الحدق فوجد أن المطرب بطيء الحس جامد الوجه - وأدرك المخرج أننا في زمان «السرعة والسرعة» زمان الهبش والتكويش لذا لزمت الحركة والسرعة الشديدة - وعشان كده جلب المخرج الشاطر لمطربه البليد كل أنواع الركايب من حمير لجمال لبغال لطيارات لكارتات لسيارات وقطارات وطائرات حتي الصواريخ. وصور السيد المطرب وهو «يلالي» ويعصر حواسه في «ليالي وموال» و«حزق وآه يا... ه». وهو يركب كل الوسائل، يقفز من ركوبة لركوبة ومن دابة لماكينة، يهبط فوق الجبال ويجري في الأدغال ويحلق بالأجواء ويدب كالبغال - وتصورت أن الأغنية بمناسبة أسبوع المواصلات أو بمناسبة افتتاح وتجديد متحف «ركايب التاريخ».. وشاهدت المطرب شعلان البرعمي أول من شاد ألحانه وهو متربع فوق بغل أما شادي الهند فقد بهرنا بالموال فوق ظهر الفيل. أما مطرب الزوارق حسان الحارق فقد قدم ملحمته وهو سابح في النهر ويستعد حسان البركان مع شاعره أسعد الجربان من ألحان الأصم الذهلان بأجمل أغنية يصورها في صاروخ عابر للفضاء في رحلة لقضاء، الحاجة فوق كوكب «الراحة». فقلت يا سلام، الغناء في بركة وفي حركة، هو في تقدم وسرعة وتحمحم، إن الفنون تعلو ظهور الحمير وتطير من زمان خرير الماء للعصر الجديد. لقد طرنا لأبعد مدي وتطور الفن وعلا شأنه، ولم أملك نفسي من البهجة فركبت «أسانسير» عمارتنا العالية وبدأت في الغناء وعند نزولي في بهو العمارة أحاط بي السكان والبوابون وأخذوا يصفقون، فقد اكتشفوا أنني أول مطرب يغني وهو راكب المصعد، وسموني «المصعد المعجباني ذي الصوت الحياني في زمان الغناء الزفتاني». وخلاص..