في مقال نشرته يوم السبت الماضي، في المجلة، تحت عنوان: (كباريه مصر السياسي)، اختتمت تحليلاً مطولاً للواقع السياسي الحالي بضرورة أن تحدث عملية ضبط ومنهجية وتنظيم لحالة (الكباريه) حتي تصبح (مسرحاً محترماً)، ووجدت أن علي الحزب الوطني أن يتبوأ صدارة التحرك.. وأن علي الحكومة أن تلعب دوراً أساسياً لا ينقطع في هذا الاتجاه.. وأن الساحة السياسية لا يجب أن تترك شاغرة.. وأن الساحة الإعلامية لابد أن تملأ باستمرار. إن مقالات (الحزب تحت النار)، كما لاشك لاحظ المتابعون، تأتي في ذات السياق، وقد ربطت ما بين التفاعلات السياسية.. والتداخل الإعلامي الناضج الذي لا يعاني من ملل.. وإذا كان الآخرون يفرضون علي الساحة صخباً خاوياً من الفعل والمضمون.. فإن الميزة والأفضلية التي يملكها الفريق الممثل للدولة، تنفيذيا في الحكومة، وسياسيا في الحزب، هي أنه لديه ما يمنح خطابه الإعلامي مصداقية وموثوقية.. لا يقول كلاماً في الهواء الطلق.. والفعل يدعمه دليل الواقع.. وليس علي الحزب أن يدخر الجهد للمواسم السياسية.. فالسنة برمتها أصبحت موسماً سياسياً لا يعرف الراحة. ويعني هذا أن التداخل الإعلامي، والانغماس في الجدل، لم يعد مسئولية أي صاحب مهمة إعلامية وحده.. عبئها ليس عليه هو فقط.. في ذلك ظلم لكل مختص بدور إعلامي.. وإنما هو أمر يقع علي الجميع في ذات الوقت.. مع وجوب التنسيق.. واتساق الخطاب. وقد يكون مفهوماً، وإن كان غير متفهم، أن بين وزراء الحكومة نوعاً من التنافس المبرر علي ساحات الإعلام، بحيث، وبمضي الوقت، يصبح الأداء الإعلامي لبعض الوزراء ذا أهداف ذاتية.. وشخصاني أكثر منه يخدم علي أهداف الحكومة كفريق متضامن وعلي مصالح المنظومة العامة. هذه الظاهرة تحتاج إلي سيطرة وتنظيم، وإعادة المنشغلين بذواتهم إلي الانشغال بالأجندة العامة حكومياً وحزبياً، لكن في المقابل هي غير موجودة في أداء الحزب بنفس الصورة.. بل إن هناك عملية تنظيمية متبعة.. ودقيقة.. إلي درجة تستوجب قدراً من المرونة. ليس خفياً أن عدداً كبيراً من أعضاء الحزب يشكو أن عدداً من المنتسبين له في ساحات الإعلام والذين يتولون مهمة الدفاع عنه ليسوا علي نفس القدر من المصداقية المفترضة ولا يتمتعون بالجاذبية الإعلامية وأحياناً ما يسقطون في النقاش الفضائي.. هؤلاء الزملاء لا لوم عليهم.. حتي لو كان هناك من يسجل ملاحظات علي أدائهم.. ففي النهاية هم متواجدون ومتوافرون ويقومون بدورهم بإخلاص حزبي حقيقي. ولا أظن من اللائق إنسانياً أو سياسياً أن يطلب من شخص ما ألا يدافع عن حزبه، لكن يفترض في طبيعة الأمور أن يكون خطاب الحزب.. والدفاع عنه.. وصد حملات النار الموجهة إليه.. موكولا إلي جميع قيادات الحزب.. وأن يكون من خصائص أدائهم في المرحلة المقبلة (الإتاحة) لا(الندرة).. والقبول بكل المنابر.. هي في النهاية مساحات أتاحتها فرص الحرية التي أبدعها الحزب بمبادراته.. ولا يعقل ألا ينعم بثماره. والقاعدة هي أنه ليس علي مسئول حزبي أن يظهر إلا إذا كان لديه جديد يقدمه للرأي العام.. ولكن تلك القاعدة في ظل المناخ الإعلامي المصري المتلاطم والصاخب تستوجب إعادة النظر فيها.. ليس فقط لأن المتابع لتفاعلات الإعلام أصبح يحتاج إلي تكرار مستمر.. وإلي أن يجد أن هناك حرصاً علي استرضائه ونيل تأييده الإعلامي إلي أن يحين موعد وضع صوته الانتخابي في الصندوق.. ولكن كذلك لأن لدي الحزب ما يقدمه بالفعل كل يوم.. كيف يكون الحزب هو صاحب الأجندة في المجتمع.. هو الفاعل الحقيقي.. ويكون نتيجة للمتبع حالياً مجرد متحرك برد الفعل علي أجندة الضوضاء. والمزاج العام للجمهور يفرض هذا علي الحزب.. لسبب جوهري.. وهو أن المشاهد أو القارئ أو المطالع لمواقع الإنترنت، حتي لو كان مؤيداً للحزب الوطني، أو لنقل مستفيدا من إنجازه في المجتمع، يريد أن يمارس لعبة (تقاطع النيران) علي مدار الساعة.. يرغب في أن يري التعددية متحققة.. في أن يتصارع أمامه الرأيان الأول والثاني.. ولا مانع من الثالث.. أن تساعده التفاعلات علي أن يتأكد من أنه يتخذ موقفاً صحيحاً حين يؤيد الاستقرار وحين يساند ولو معنوياً واقعه الذي يتطور.. بدلاً من أن يلقي بنفسه إلي تهلكة الفوضي.. أو سواد الإحباط. الحزب، بمنهجه الحالي، يترك الجمهور وحيداً، والجمهور يعبر عن رأي عام يريد أن يتمتع بالدلال.. وأن يخطب وده باستمرار.. وفي كثير من الأحيان رصدنا توجيهات متكررة من السيد الرئيس لكل المسئولين بأن يتوجهوا للناس بمزيد من الشرح.. ومزيد من التوضيح.. وهو ما يعبر من سيادته عن تفهم لطبيعة المتغيرات.. وما جري في المجتمع.. ولابد للحزب أن يكون علي نفس الجدارة من هذا المعني. إن المادة 76 من الدستور محيط عميق، لا يمكن أن تكتفي بمجموعة التناولات التي تطرقت لها في عام 2007، والتعديلات الدستورية التي لم تستوعب تفاعلات المجتمع كل ثمارها بعد، تقتضي تسويقاً يجعلها حية ويقظة طوال الوقت.. وإذا كانت قد حظيت بشرعية القانون والإجراء.. فإنها تحتاج إلي مزيد من الترسيخ الإعلامي وأن تتحصن بشرعية التسويق الدائم بلا انقطاع.. ما يحميها من الداعين إلي تغيير الدستور برمته. وإذا كان نظام التعليم يعاني من عدم القدرة علي تثقيف قطاعات عريضة من المجتمع سياسياً، فإن هذا النقصان لابد من تعويضه بتواجد إعلامي وثقافي مستمر، ينير الطريق أمام الجمهور.. بدلاً من أن يترك لكي يقوده الفوضويون عبر طريق الإحباط إلي عالم مظلم. ونواصل غداً اقرأ ايضا للكاتب فى الصفحه الاخيره : تسقط الحكومه [email protected] www.abkamal.net