في هذا المقال أعود لأصل الدين مذكرا بالأصول والأركان بعيدا عن تضييع الأوقات في الفروع وفروع الفروع مع أن البلوي تعم في جهالة الناس بأصل الدين وإن كانوا مسلمين. إن العودة لأصول الدين والتذكير بها يعالج كثيرا من المشاكل التي نعاني منها علي الساحة الدعوية، والأصل في ذلك ما استقرأناه من منهج الأنبياء حيث الحكمة والعقل فقد بدأوا مع أقوامهم بتصحيح المعتقدات والموروثات المخالفة لهدي الوحي من لدن نوح عليه السلام إلي محمد -صلي الله عليه وسلم- والحديث عن التوحيد لابد أن يكون حديثا متفقا عليه وليس محل خلاف أو منازعة وأرجو أن أوفق في تبسيط ذلك بالأدلة للقراء. قال تعالي: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقوله: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت).. وقوله: (وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا).. وقوله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا). وقوله: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا). قال ابن مسعود رضي الله عنه: من أراد أن ينظر إلي وصية محمد صلي الله عليه وسلم التي عليها خاتمه فليقرأ قوله تعالي: (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئًا وبالوالدين إحسانا ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون* ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتالي هي أحسن حتي يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون* وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) «الأنعام 151-153». وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت رديف النبي صلي الله عليه وسلم علي حمار فقال لي: «يا معاذ أتدري ما حق الله علي العباد، وما حق العباد علي الله؟» فقلت: الله ورسوله أعلم. قال: «حق الله علي العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، وحق العباد علي الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا» فقلت: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: «لا تبشرهم فيتكلوا» أخرجاه في الصحيحين. والأدلة السابقة تبين وتقرر ما يلي: الحكمة في خلق الجن والإنس هي عبادة الله وحده وأن العبادة هي التوحيد؛ لأن الخصومة فيه.. وأن من لم يأت بالتوحيد لم يعبد الله، ففيه معني قوله (ولا أنتم عابدون ما أعبد)، والحكمة في إرسال الرسل تعبيد الناس لرب الناس.. وأن الرسالة عمت كل أمة، وأن دين الأنبياء واحد وهو الإسلام قال تعالي (إن الدين عند الله الإسلام). المسألة الكبيرة أن عبادة الله لا تحصل إلا بالكفر بالطاغوت؛ ففيه معني قوله: (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقي لا انفصام لها والله سميع عليم) «البقرة آية: 526».. وأن الطاغوت عام في كل ما عبد من دون الله. عظم شأن الثلاث آيات المحكمات في سورة الأنعام عند السلف.. وفيها عشر مسائل، أولها النهي عن الشرك، الآيات المحكمات في سورة الإسراء، وفيها ثماني عشرة مسألة، بدأها الله بقوله: (لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا)؛ وختمها بقوله: (ولا تجعل مع الله إلها آخر فتلقي في جهنم ملوما مدحورا)، ونبهنا الله سبحانه إلي عظم شأن هذه المسائل بقوله: (ذلك مما أوحي إليك ربك من الحكمة). في آية سورة النساء التي تسمي آية الحقوق العشرة، بدأها الله تعالي بقوله: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا» والتنبيه علي وصية رسول الله صلي الله عليه وسلم عند موته. ومعرفة حق الله تعالي علينا. ومعرفة حق العباد عليه إذا أدوا حقه. وجواز كتمان العلم للمصلحة والخوف من الاتكال علي سعة رحمة الله. واستحباب بشارة المسلم بما يسره وقول المسئول عما لا يعلم: الله ورسوله أعلم. وجواز تخصيص بعض الناس بالعلم دون بعض. وتواضعه صلي الله عليه وسلم لركوب الحمار مع الإرداف عليه. وجواز الإرداف علي الدابة. ففضل التوحيد لا يعادله فضل بما يكفر من الذنوب والخطايا إذا اجتنب الشرك قال تعالي «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون» «الأنعام آية: 82» وفسر الرسول - صلي الله عليه وسلم - الظلم هنا في الآية بأنه هو الشرك مستدلاً بقوله تعالي: «إن الشرك لظلم عظيم» «لقمان آية: 13» فعن ابن مسعود: «لما نزلت هذه الآية قالوا: فأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: ليس بذلكم، ألم تسمعوا إلي قول لقمان: إن الشرك لظلم عظيم؟» وساقه البخاري بسنده فقال «حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا الأعمش حدثني إبراهيم عن علقمة عن عبدالله - رضي الله عنه - قال: لما نزلت: «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم» قلنا: يا رسول الله، أينا لا يظلم نفسه؟ قال: ليس كما تقولون، لم يلبسوا إيمانهم بظلم، بشرك. أو لم تسمعوا إلي قول لقمان لابنه: «يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم». وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: « من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأن عيسي عبدالله ورسوله وكلمته ألقاها إلي مريم وروح منه، والجنة حق، والنار حق أدخله الله الجنة علي ما كان من العمل». رواه البخاري ومسلم. ولهما في حديث عتبان: «فإن الله حرم علي النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله». وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: «قل موسي: يارب، علمني شيئًا أذكرك وأدعوك به. قال: يا موسي: قال لا إله إلا الله. قال: يارب كل عبادك يقولون هذا. قال: يا موسي، لو أن السموات السبع وعامرهن غيري، والأراضين السبع في كفة، ولا إله إلا الله في كفة، مالت بهن لا إله إلا الله» «رواه ابن حبان، والحاكم وصحيحه». وللترمذي وحسنه عن أنس رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «قال الله تعالي: يا ابن آدم، لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا لأتيتك بقرابها مغفرة». والأدلة السابقة تبين وتقرر ما يلي: سعة فضل الله. كثرة ثواب التوحيد عند الله. وتكفيره مع ذلك للذنوب. وكون الأنبياء يحتاجون للتنبيه علي فضل لا إله إلا الله. والتنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات، مع أن كثيرًا ممن يقولها يخف ميزانه. النص علي أن الأراضين سبع كالسموات وأن لهن عمارا. وإثبات صفات الرحمن علي الحقيقة بمعناها في اللسان العربي دون تمثيل أو تشبيه أو تعطيل قال تعالي «ليس كمثله شيء وهو السميع البصير». تأمل الجمع بين كون عيسي ومحمد عبدي الله ورسوليه كسائر الأنبياء والرسل. ومعرفة فضل الإيمان بالجنة والنار. ومعرفة قوله: «علي ما كان من العمل». ومعرفة أن الميزان له كفتان.