ظاهرة احتفالية قديمة لا يعرفها هذا الجيل، في وقفة عيد الأضحي كانت تمر في الشوارع والحواري مظاهرة من العجول التي زينت بالورود ومعها الجزارون وصبيانهم ووراءهم حشد كبير من الأطفال، ثم ينادي واحد من قادة المظاهرة صائحا: من ده بكره.. فنرد عليه في حماس وفرحة: بقرشين.. ومع مرور الزمن وتعقد حركة المواصلات والازدحام اختفي هذا التقليد من الشوارع وانتقل إلي الصحافة، ولأن الصحافة لا يعمل بها جزارون بل بشر يتعاملون مع بشر لذلك لن تجد عجولا مزينة بل ستجد بشرا سيتم الفتك بهم غدا. في الحكومات الثورية فقط لا يتم التخلص من الناس في رفق وتهذيب، بل يوضعون في ميدان عام ويصب علي رؤوسهم أطنان القاذورات تمهيدا لذبحهم في الغد وسط الجماهير المبتهجة. إنني أدعو زملائي في الصحافة المصرية للكف عن هذا النوع من الاحتفالات، فبغياب التهذيب عن سلوك المصريين والصحفيون منهم في الصدارة يصبح من المشكوك فيه تحقيق أي إنجاز أو الوصول لأي قدر من الحرية. انعدام التهذيب تعبير عن طاقة عدوان منطلقة بغير كوابح، وعندما يكون انعدام التهذيب هو الضمان الوحيد للانتشار والجماهيرية فعلينا أن نتوقف قليلا لنفكر فيما نفعله بأنفسنا، علينا أن نتخفف قليلا من ثوريتنا، فالناس في الفكر الثوري إما أن يكونوا زعماء ثوريين أو جماهير منعدمة الشخصية والملامح. لقد تعرضت لسنوات طويلة لعدوان إعلامي مكتسح من جماعة الحقوا الوطن، قوامه الأكاذيب والأكاذيب وحدها، وكان سؤالي هو: حسنا.. وبعد أن ينتهي هؤلاء السادة من القضاء علي، أو يعجزون عن ذلك فيتوقفون بدافع من السأم والملل، ماذا سيفعلون بهذه الطاقة الهائلة من العدوان وانعدام التهذيب وقلة الحياء... من المؤكد أنهم سينزلون في بعضهم البعض ذبحا وتقتيلا وهو ما حدث بعد ذلك بالفعل. لايوجد أشخاص بعينهم مسئولون عن إفساد الحياة السياسية في مصر لأربعين عاما، وإلا كنا شعبا من البلهاء الفاسدين أصلا، توجد فقط أفكار أثبت التاريخ فسادها تتلخص في فكرة هندسة البشر من أعلي ثم الإمساك بكل خيوط حياتهم وتحريكها في كل الاتجاهات وهو ما يسمح بنشوء مراكز للقوي تنشغل بالدفاع عن أنفسها وعما حققته من مكاسب. في ظل القواعد الاشتراكية التي مازالت سارية من تحت لتحت وفي وجود مناصب تسيطر بقوة علي مصادر الثروة، ليس من حقك أن تلوم أحدا علي ما حققه من ثروة وقصور وشقق وفيللات، وفي ذلك يقول المصطلح الشعبي "حد يلاقي الدلع وما يدلعش؟" إن الثروة الزائدة عن الحد وعن العقل أشبه بالقدر، ومن يستطيع مقاومة إغرائها هو شخص جدير بأن يودع مستشفي الأمراض العقلية. أنا أنتمي لجيل عندما كان يحصل علي خمسة جنيهات من الإذاعة كان يفرقعها علي أصحابه في أغلي مطاعم المدينة، كان يعد نفسه محظوظا وربما فكر في أن القيادة السياسية تعتز به بشكل خاص، نحن جيل عرف الألف جنيه بعد أن تمكن من صعود قمة جبل إيفرست عاري القدمين، لذلك تمكنا من الاحتفاظ بعقولنا بعكس هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم بفضل جهلهم الشامل الكامل ينتقلون فجأة من الربع الخراب إلي جنة الأصفار الستة. عندما تجد نفسك في ليلة ربيعية في كوخ علي الشاطئ والقمر مكتمل يصب أشعته الذهبية علي مياه البحر، وأنت راقد علي السرير، وتلتفت فجأة فتجد إلي جوارك نانسي عجرم، أو إليسا أو أي حد من الجماعة دول، ماذا ستفعل؟.. إنس.. ودع الخلق للخالق.