أعادت دار سطور إصدار رواية "الطريق إلي بئر سبع" لإيثيل مانين وترجمة د. نظمي لوقا، وكانت قد صدرت في الستينيات في بيروت والقاهرة، الرواية السياسية تستعيد أجواء نكبة 1948 والتي يمكن ربطها بسهولة بالمؤامرة التي تحدث في 2010 من تهويد للقدس وبناء كنيس الخراب، فالنتائج كلها واحدة، وسلب حقوق الشعب الفلسطيني في أرضهم ووطنهم مازال قائما بصور شتي. يلاحظ في مدخل الرواية استثمار المؤلفة الإنجليزية للموروث اليهودي التوراتي، حين جعلت من قضية تهجير الشعب الفلسطيني عن أرضه قصة خروج جديدة، تشبيها بسفر الخروج في التوراه التي تتحدث عن خروج موسي ببني إسرائيل فرارا من مصر، حيث استعانت المؤلفة بمقطع من سفر يشوع يقول: "وأعطيتكم أرضا لم تتعبوا عليها ومدنا لم تبنوها وتسكنون بها، ومن كروم وزيتون لم تغرسوها تأكلون"، ولهذا كتبت إيثيل في إهداء الرواية: "إلي اللاجئين الفلسطينيين ومن أجلهم، أولئك الذين قالوا لي في كل الأقطار العربية التي استضافتهم: لماذا لا تكتبين قصتنا نحن، قصة الخروج الآخر؟". مانين، الإنجليزية من أصل أيرلندي، صاحبة العديد من كتب الرحلات في الشرق الأوسط والهند وبورما والمغرب واليابان، تحكي عبر"الطريق إلي بئر سبع" مأساة نكبة 1948 من خلال قصة عائلة مسيحية فلسطينية يتم تهجيرها من اللد إلي رام الله إلي أريحا مشيا علي الأقدام، مع وصف دقيق لمشاهد الموت البطيء وآثار الإجرام الصهيوني لانتزاع شعب من أرضه، وزرع المستوطنين الغزاة محلهم، وكيف تفرقت السبل بهذه العائلة إلي موت وهجرة واستشهاد في تتابع ملحمي لفصول وأحداث الرواية. وفي إعادة نشر هذه الرواية وقراءتها دلالة في ظل الأجواء المعاصرة، التي لا تقل مأساة عن الأمس، في مقدمة الرواية تحكي المؤلفة فيما يعد كلمة سياسية بامتياز رحلات متعددة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين، تؤرخ لأصل الصراع وأبعاده في كلمات قليلة موجزة ذات دلالة، تبدأ الروائية مقدمتها السياسية بكلمات تقول فيها: إنه "حتي 29 نوفمبر سنة 1947 كان ثمة بلد يسمي فلسطين، هو الوطن العتيق للفلسطينيين القدامي، وهو بلد عربي الصبغة بصورة واضحة، وحين صدر إعلان "بلفور" في نوفمبر سنة 1917 مؤذناً بأن الحكومة البريطانية تؤيد "قيام وطن قومي لليهود في فلسطين" كانت غالبية السكان هناك من العرب، بنسبة تزيد علي 90% وكان في فلسطين في ذلك الوقت نحو 50.000 يهودي، أما المسلمون والمسيحيون فكان عددهم وقتئذ نحو 670.000". وبعد ذلك تؤكد المؤلفة في المقدمة وعنوانها "إيضاح" وهي عبارة عن خلفية تاريخية، أن هجرة اليهود إلي فلسطين لم يكن هدفها إنشاء موطن قومي وملاذ لضحايا الاضطهاد، بل إقامة دولة يهودية مستكملة الأركان، وتقول: "فلسطين انقطع وجودها من حيث هي اسم، ومن حيث هي بلد، وانقطع كذلك وجود الفلسطينيين من حيث هم أمة، إنه عصر التشتت الفلسطيني". تتواصل عبر أحداث الرواية ملحمة الأسرة المسيحية في رحلة التشريد، فمن فرط العذاب تمنت إحدي السيدات المسيحيات لو كانت مسلمة كي يتسني لها أن تخفي وجهها خلف نقاب، يحميها من حرقة الشمس وحرقة الذل، بينما يتتابع خيط ثان في الرواية هو وصف للقري العربية الفلسطينية التي تدمر لتفسح المجال بدلها للمستعمرات الصهيونية، وصار لليهود مستشفياتهم ومدارسهم ومنظماتهم السياسية، وتمتعوا بمعاملة متحيزة من حماتهم البريطانيين، من هنا تدين المؤلفة خطة التقسيم التي أقرتها منظمة الأممالمتحدة، والتي منحت بموجبها 60% من فلسطين بما في ذلك أخصب المناطق لثلث السكان وهم اليهود، أما المليون فلسطيني وهم كل سكانها تقريباً فقد انتزعوا من مواطنهم وجردوا من أملاكهم. تقول إحدي بطلات إيثيل: "من بين المليون من الفلسطينيين علي وجه التقريب الذين فروا من بلادهم نتيجة للإرهاب الإسرائيلي ومن أمثلته مذبحة (دير ياسين) في أبريل سنة 1948 أو الذين طردوا من بيوتهم، من هؤلاء المليون يعيش أكثر من نصف مليون في أسوأ حال بالمعسكرات التي تمدها الأممالمتحدة بالمعونة منذ أواخر سنة 1949 أما الباقون فقد استوعبتهم بلاد مضيافة، ولكن هؤلاء وهؤلاء جميعاً يطالبون باستعادة وطنهم لإعادة إسكانهم، وما من واحد منهم، سواء في المعسكرات أو في خارجها، تلقي "بنساً" واحداً علي سبيل التعويض عن بيوتهم وأراضيهم وأموالهم التي استولي عليها الإسرائيليون!". بجرعات من الألم والحسرة، والأحداث المتلاحقة والمؤثرة والمركبة، التي تعتمد في كثير من الأحيان علي التذكر والذكريات بتقنية "الفلاش باك"، تبدو الرواية مكتوبة بشكل تصويري درامي عال، يمكنها بسهولة أن تتحول إلي فيلم سينمائي أو مسلسل تليفزيوني، حيث كتب أحدهم علي إحدي منتديات القراءة: "الرواية توثيقية شديدة الإنسانية تقدم قماشة فنية شديدة الثراء لمن يريد من رجال الإبداع والفن المحترم".