اذا تجولت في شارع المعز لدين الله الفاطمي، وأغمضت عينيك عن المساجد والأسبلة والبيوت القاهرية التاريخية وسحرها، واتجهت ببصرك للمحال التجارية، خاصة في الجزء الواقع في منطقتي الصاغة والنحاسين وكذلك خان الخليلي، لفوجئت بحركة تجارية غير عادية وبرحيق لم يكن ملموساً منذ سنوات قريبة. اذ يتاخم محلات الذهب والمجوهرات الشهيرة علي جانبي الشارع حوانيت أخري لكل ما هو قديم وهي إن كانت صغيرة المساحة، إلا إنها مثقلة بكمية ضخمة من القطع النادرة. نلمح، مبعثراً علي رصيف المحال المكتظة، خلخالاً قديماً ونماذج لأباريق وآنية مصرية من عصور قريبة ، آلات كاتبة قد ترجع لأكثر من 100 عام، جرامافونات، عملات وقلادات قديمة، أجزاء من مشربيات، أجهزة تليفونات وراديو لم يعد لها وجود الآن ونماذج لإعلانات قديمة. هذه القطع قد لاتعد بصورة ما من الآثار؛ الا أن كل جزء منها وكل نقش فيها وملمسها يروي أسرار مصر وبيوتها و سحر حلي نسائها. كما أنه لايربط بينها فترة تاريخية محددة او استخدام ما؛ انما تجعل كل حانوت مخزناً هائلاً إن تم توزيعه علي متاحف للحرف التقليدية أو لأثاث البيت القاهري في العصور المختلفة لصار شارع المعز بأكمله متاحف. ولو امتلكت أي دولة من الدول الحديثة- الساعية دوماً للنبش عن جذور لها في تاريخ البشرية - جزءاً يسيراً منها؛ لتباهت بين الأمم بتاريخ وحضارة ليست لها. أشار أحد الصبية العاملين في الشارع إلي أن هذه السلع تشهد رواجاً كبيراَ؛ لأنها تستخدم حالياً كقطع ديكور في المنازل الحديثة وفي الفيلات والقصور، التي يفضل الكثيرون بناءها في مسقط رأسهم، كما ان المشتري الأجنبي يبحث عنها في السوق المصرية التي تعد بكراً بالنسبة لهم وكل يوم يكشف عن مفاتنها وخباياها. يخشي المرء أن يعود بعد سنوات قليلة للشارع؛ فلا يجد أياً من هذه التحف ويمتع ناظريه بلمحات مختلسة وهو يهيم سائحاً في حواري القاهرة.