تابعت بشغف يوم الجمعة 26 فبراير الماضي تلك الفقرة الرائعة عن النوبة في برنامج تليفزيوني "قناة المحور" يقدمه مذيعان مرموقان: سيد علي وهناء السمري، لقد شاهدنا مواطنين بسطاء يرغبون في الحصول علي الحد الأدني من متطلبات الحياة ويناشدون المسئولين لرفع أسباب المعانة غير أن ما لفت الأنظار هو ذلك الجزء الأخير من الفقرة حيث تحاور المذيعان مع شخصيتين من النوبة: الحاج أحمد إسحاق والحاج عادل أبوبكر ورغم أن الحوار مع الأهالي أوضح لنا أن طموحاتهم لا تتعدي أعتاب المنازل التي يقطنونها إلا أن المذيعين أصرا علي طرح بعض التساؤلات التي تتردد في الأوساط الإعلامية منها تساؤلان لا يخلو منهما أي حوار يكون أحد أطرافه من أبناء النوبة: تدويل قضايا النوبة والشائعات التي تتردد حول انفصالها عن مصر. من المعروف أن أجيالا من أهل النوبة قد توارثوا ذات المشكلات التي كانت تؤرق أجفان آبائهم وأجدادهم لقد كانت مطالبهم التي طالما عبر عنها نواب النوبة منذ الآن تنحصر في استكمال ما تم بناؤه من منازل لمغتربي النوبة والعمل علي إعادة ترميم أو بناء المنازل التي لا تستطيع الصمود في مواجهة المياه الجوفية أو المنازل التي ضاقت من حملها التربة الطفلية ما يثير الدهشة أن بعض الأقلام الصحفية كانت تتصدي لهذه المطالب البسيطة من خلال توجيه اتهام صريح مفاده أن أهل النوبة باتوا يحلمون بالانفصال عن مصر.. ومن سخرية القدر أن تأتي اليوم قيادة نوبية ليلقي بتهمة أخري في سلة الملف النوبي وهذه التهمة تتمثل في استقواء النوبيين بالمنظمات الأجنبية من دون أن يحدد لنا ما هي هذه المنظمات التي تدعم مطالب النوبة.. الغريب أنه لا يخجل من تحريض القيادة السياسية ضد بعض النوبيين بدعوي أنهم يلجأون لهذه المنظمات، لا شك أن القيادة السياسية قد منها الله بصفتين حميدتين هما الحكمة والتريث وهاتان الصفتان كافيتان لتحصين أصحابهما من الانسياق وراء الدعوات التحريضية المغرضة التي لا تحرص علي مصلحة البلاد بل تسعي لتحقيق أهداف شخصية زائلة كالوثوب لمنصب برلماني أو حزبي زائل. لعل مشاهدي الفضائيات استمعوا للردود التي جاءت علي لسان شخصيات نوبية لقد رفضوا جميعا اللجوء لمنظمات وكيانات غير مصرية كما رفض إسحاق مفهوم التدويل الذي يعني الاعتماد واللجوء لقوي أجنبية تتدخل في شئون الوطن، لعل القارئ لا يعلم أنه لا يوجد نوبي يعيش علي أرض مصر يرغب في حلول تأتي من الخارج وإذا جاءت حلول بهذا الأسلوب فإن أهل النوبة لن يقبلوا بها مهما كانت هذه الحلول منصفة لهم فالنوبيون يسعون لحل مشكلاتهم منذ عشرات السنوات من خلال القنوات الحكومية ولم يحاول أحدهم البتة في الكتابة لهيئات أجنبية لقد ظل أهل النوبة يرسلون خطابات الالتماس من دون كلل أو ملل إلي رؤساء الحكومات المتتالية وإلي محافظي أسوان الذين تولوا شئون المحافظة من المؤكد أن الكثيرين من أهل النوبة يشاطرون الحاج إسحاق الرأي بأن المحافظ الحالي مصطفي السيد يعتبر من أفضل محافظي أسوان من حيث الاهتمام والسعي للتعرف علي مطالب أهل النوبة بعد أن تلقي دعما معنويا من القيادة السياسية. أما موضوع الانفصال عن مصر الذي تلوكه الألسنة فقد رد عليه الحاج أحمد إسحاق رداً صريحاً لا لبس فيه ولا غموض إذ أكد أن من يردد هذه المقولة إما مغرض؟ وإما جاهل؟ لعله مغرض لأن النوبيين لم يفكروا في هذا الأمر وأن من يردده يرغب في تكميم الأفواه أو ربما يتمني أن يثير هذه النزعة في نفوس أهل النوبة.. ولعله جاهل لأنه لا يعلم أن أهل النوبة رفضوا محاولات حزب الأمة في عام 1974م لغرس فكرة الانفصال والانضمام إلي السودان لا أضيف جديداً إذا قلت إن جبهة الرفض "رفض الانفصال" قادها شباب نوبيون ينتمون للقوي التقدمية ولا نذيع سراً إذا قلنا إن خليل قاسم وزكي مراد كانا أكثر هؤلاء الشباب نشاطا في مناهضة الفكرة الانفصالية إذ كانا يلقيان المحاضرات ويعقدان الندوات في الروابط والأندية النوبية ضد هذه الفكرة وما يدعو إلي الدهشة أن خليل قاسم وزكي مراد ورفاقهما من أعضاء التنظيمات الشيوعية فعلوا كل ذلك رغم تعرضهم للاعتقال لفترات طويلة في السجون المصرية "السجن الحربي وسجن الواحات". والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: إذا كانت الشخصية النوبية التي تعرضت للاعتقال والسجن رفضت فكرة الانفصال عن مصر فكيف ترضي شخصيات نوبية تتمتع بحرية التعبير بأن تتدخل قوي أجنبية في شئون بلادها أو أن تنفصل النوبة عن الوطن الأم؟ سؤال نطرحه ونترك الإجابة عنه لذوي الضمائر الوطنية الحية التي تعمل لمصلحة هذا الوطن.