خلال نشرة "الجزيرة" الاقتصادية أمس توقفت أمام رقم في غاية الأهمية يقول إن إجمالي أموال الزكاة التي يدفعها المسلمون سنويا يصل إلي 250 مليار دولار، لم أصدق أذني وانتظرت لمتابعة نفس التقرير في نشرة تالية، فتأكدت منه! نعم المسلمون يدفعون 250 مليار دولار سنويا زكاة، الأمر إذن ليس هلاوس سمعية، ولا هو أحلام يقظة وإنما حقيقة مفجعة ومؤلمة للأسف، إذا أخذنا في الاعتبار أن أفقر دول العالم، وأكثرها تخلفاً تقع في قلب العالم الإسلامي. وإذا تصورنا أن عدد المسلمين في العالم حوالي مليار ونصف المليار نسمة يشكلون نحو 23٪ من سكان العالم، فإن هذا المبلغ الكبير جدا لو خصص لمشروعات تنموية لمدة عشر سنوات، لتغير وجه العالم الإسلامي ولما وجدنا فقيراً أو عاطلاً عن العمل، وربما تغيرت طبيعة الحياة التي نعيشها واختفت مشاكل مزمنة مثل الإرهاب والتطرف التي يلعب الفقر دوراً كبيراً وحاسماً في انتشارها. وإذا كان المواطنون المسلمون يدفعون كل هذا المبلغ عن طيب خاطر، فلماذا لا يجري تنظيم جمع الزكاة وإيداعها في مصارف شرعية تستهدف تغيير وجه الحياة في الدول التي يشكل المسلمون أغلبيتها، بدلا من الاعتماد علي المعونات الأجنبية، والهبات والقروض التي تكبل الاقتصادات الوطنية وتؤدي إلي المزيد من إفقار البلدان العربية والإسلامية والنامية؟! أعرف ان جزءا ليس هينا من هذه الأموال يوجه إلي إنشاء المراكز الإسلامية في أوروبا والبلدان الأجنبية والغربية، تحت هدف نشر الدعوة، ودعم مسلمي الغرب، لكن أليس من الشرع رفع مستوي معيشة المواطنين أولا، ورفع الفقر المدقع عنهم، قبل أن نفكر في إنفاق أموال طائلة علي نشر الدين بين غير المسلمين؟ وأعرف أيضا ان كثيرا من هذه الأموال التي تجمع للزكاة كانت تذهب خلال التسعينيات لتمويل جماعات إرهابية ومتطرفة، ولا يزال بعضها يتسرب إلي القاعدة وغيرها من المنظمات المشابهة رغم عمليات التضييق التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والمصرفية الغربية للحد من حركة هذه الأموال ومنع وصولها إلي الجماعات الإرهابية لكنها لا تزال أهم مصادر تمويل تلك الجماعات، وهو أمر لا يستقيم ايضا لأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تذهب أموال الزكاة لدعم الإرهاب. وأتصور أنه علي منظمة المؤتمر الإسلامي عقد مؤتمر خاص يشارك فيه علماء الدين والاقتصاد ورجال أعمال ومنظمات خيرية، لوضع قانون استرشادي لجمع أموال زكاة وإنفاقها في مصارفها الشرعية، وعلي رأسها التنمية الحقيقية لتوفير فرص عمل وإقامة مشروعات منتجة، بحيث تنير الطريق لجميع الدول لتطبيق تجربة عملية للاستفادة من أموال الزكاة.. لأنه ليس من المعقول أو المقبول ان يخُرج المسلمون 250 مليار دولار سنويا من أموالهم ولا تعود عليهم بفائدة، بينما نسبة لا بأس بها من المسلمين في مختلف أنحاء العالم يموتون من الجوع، ولا يحيون حياة آدمية تتوافر لها أبسط شروط الحياة.