أعلن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أن تأخير عودة الإمام المهدي الذي سوف يملأ الأرض عدلاً بحسب العقيدة الشيعية تتحمل مسئوليته الولاياتالمتحدةالأمريكية وذلك لأنها هي الشيطان الأكبر وإسرائيل الشيطان الأصغر، وهما معًا يتعاونان لانتشار الشر في العالم وزيادة الفساد، وتحجيم اتباع الله بمنع دخولهم إلي أمريكا واتخاذ قرارات بعقوبات ضد إيران وتهديد بالضرب باستخدام إسرائيل... إلخ. ولا شك أن هذه الكلمات مليئة بخلط شديد بين الدين والسياسة وعدم فهم الاثنين، فهل يدرك أحمدي نجاد أن مشكلة عودة المهدي قام بحلها الخوميني عندما اقترح نائبًا للإمام يقوم بعمله في الأرض، وكان الخوميني هو ذلك الإمام؟ ويقول الخوميني أنه صعب عليه أن يري الشيعة مذلين مطحونين مضطهدين في جميع أنحاء العالم يؤجلون ثورتهم واستعادة كرامتهم لحين عودة الإمام المهدي مثلهم مثل المسيحيين في الشرق الذين ينتظرون عودة المسيح، وقال في اجتهاده إن كان المهدي يختاره الله ويرسله فنائبه يختاره فقهاء قم ويأخذ كل سلطات الإمام المهدي، ومن خلال هذه الفكرة وهجومه علي عقيدة التقية التي جعلت الشيعة جبناء حيث فرق بين التقية لحفظ الإيمان والتقية للخوف من الأعداء، وقال نرفض تقية الجبناء ونرحب بتقية حفظ الإيمان، وهكذا بمجئ نائب الإمام لم يعد هناك حاجة للمهدي المنتظر، ثم كيف تعيق أمريكا عودة الإمام وهي تنادي في نفس الوقت بعودة المسيح، وأنها تساعد إسرائيل وعودة اليهود إلي فلسطين لأنها إحدي علامات المجيء الثاني للسيد المسيح الذي سوف يملك علي الأرض لألف عام وأيضًا يملأ الأرض عدلاً وسلامًا، ومن الأمور العجيبة أن أحمدي نجاد وفي نفس الخطاب يتحدث عن خطايا وموبقات أمريكا حيث تنشر الفساد في كل أنحاء العالم، وهي تحرف الكتب المقدسة وتشوه الله والأنبياء، وتبتعد بقوة عن القيم الأخلاقية والإلهية، وما يصفه نجاد هو إحدي العلامات التي تعجل بمجئ المسيح عند المسيحيين، ومجيء المهدي عند الشيعة، فقبل مجيء المسيح سوف تمتلئ الأرض ظلمًا وجورًا ويقوم الأخ علي أخيه وينكر الناس الإيمان بالله ويرتدون إلي الحياة البدائية بكل ما فيها من فساد وإفساد... إلخ وهي نفس الأدبيات التي تقال عن مقدمات عودة الإمام المهدي، وهكذا نري تناقضًا واضحًا بين عمل أمريكا في تأجيل عودة المهدي وفي نفس الوقت تقوم بأمور تعجل بمجيئه، فهل هي تعيق مجيئه أم تتعجله؟! وبعد كل هذا التضخيم للدور الأمريكي والإسرائيلي يعود فيقول في نفس الخطاب أن حزب القوي الشيطانية والذي علي رأسه أمريكا سوف يندحر ويهزم حيث ستقف كل شعوب المنطقة وعلي رأسها إيران وسوريا والعراق ولبنان ويقومون باقتلاع دولة إسرائيل من جذورها، وبالطبع ليس بسبب تفوق الدول العربية والإسلامية ولكن بقوة الله. وبلا شك أن هذه النوعية من الخطابات لا تعتبر خطابات جادة علي مستوي التحليل السياسي الجاد في العالم كله، ففيه خلط واضح بين الدين والسياسة والدين والخرافة فضلاً عن مغازلة مشاعر الجماهير المتدنية بصورة سطحية والذي يكون تدينها مختلطًا بالإسرائيليات والحكايات الشعبية والمأثورات التقليدية والبعيدة تمامًا عن أي فكر علمي أو ديني مستنير، وكما نري فإن الرؤساء في منطقتنا يلجأون إلي الدين عندما تغلق عليهم السبل ولا يجدون مبررات لهزائمهم المتوالية وتراجعهم أمام العالم وفقدان مصداقيتهم لدي شعوبهم ومن محاسن الصدف أن خطاب نجاد تزامن مع خطاب القذافي الذي نادي الشعوب والحكومات الإسلامية بالجهاد ضد سويسرا لأنها حاكمت ابنه لمعاملته السيئة لخدمه، وأيضًا لأجل حظر المآذن، إن هذا الخلط مؤذ للدين كما للسياسة، فهذا ليس دينا ولا سياسة، إنما هو نوع من الدجل والشعوذة: مثل تفسير الأحلام والرؤي وإخراج الجن والشياطين من جسد الإنسان وهزيمة الأعداء بالدعاء عليهم وهذه المنظومة الضخمة التي تشل الإنسان عن العمل الحقيقي علي أرض الواقع، والاكتفاء بمحاربة طواحين الهواء، وهو ما تريده أمريكا وإسرائيل حقيقة، وتشكر القائمين عليه.