بعد كتابه الشهير "صراع الحضارات" الذي حذر فيه من الخطر الإسلامي الكنفوشيوسي، الذي تتعرض له الولاياتالمتحدة والغرب، حذر صميل هنتنجتون في آخر أعماله "من نحن ؟ .. المناظرة الكبري حول أمريكا" من الخطر الذي تتعرض له الهوية والثقافة الأمريكية، التي تشكلت علي مدي ثلاثة قرون بجوهرها "الأنجلو - بروتستانتي"، من القوة المتعاظمة للأمريكيين ذوي الأصول اللاتينية، خاصة المكسيكيين، الذي يشكلون أكبر الأقليات في الولاياتالمتحدة، ويبلغ تعدادهم حوالي 40 مليون نسمة، الذين أصبحوا يهددون بانقسام ثقافي ولغوي في المجتمع الأمريكي. يعالج هنتنجتون في كتابه الصادر حديثا عن المركز القومي للترجمة، ترجمة أحمد مختار الجمال، وكتب مقدمته السيد أمين شلبي، التغيرات التي تحدث في الهوية القومية الأمريكية، لما يوليه الأمريكيون من أهمية لهويتهم القومية، مقارنة بهوياتهم المتعددة الأخري، وهو في هذا يقدم عددا من النقاط الجوهرية، منها أن ما يشكل جوهر الهوية الأمريكية قد اختلف عبر التاريخ، فعند نهاية القرن الثامن عشر كان المستوطنون البريطانيون يتعاملون مع هويتهم الأمريكيةالجديدة بجوار هويتهم الأصلية، وعقب الاستقلال بدأت فكرة الهوية الأمريكية تأخذ طريقها بشكل تدريجي وبطيء، إلي أن أصبحت الهوية الأمريكية تحتل المكانة الأولي بعد الحرب الأهلية، مقارنة بالهويات الأخري، ثم حدث تحول في الستينيات عندما بدأت الهويات الفرعية والثنائية والعابرة للقوميات تنافس وتفتت الهوية القومية، إلي أن عادت الهوية الأمريكية للمقدمة مرة أخري بعد أحداث 11 سبتمبر، وهو ما يعني أن الأمريكيون يتمسكون بهويتهم كلما شعروا بأن أمتهم مهددة، فاذا ما تلاشي هذا التصور للتهديد فإن الهويات الأخري سرعان ما تعود لتحتل الأولية مرة ثانية علي الهوية القومية. وعلي الرغم من إدراك هنتنجتون لأنه ليس هناك مجتمع خالد، وأنه حتي أكثر المجتمعات نجاحا يصل إلي النقطة التي تتهدد فيها بالتفكك والتحلل، بفعل قوي خارجية لا ترحم، وعلي الرغم من مشاركته في الرأي القائل لماذا أمريكا أكثر من أي أمة أخري، ربما ولدت لكي تموت، فإن هنتنجتون يعتقد أن بعض المجتمعات وهي تواجه تحديات خطيرة لوجودها، تكون أيضا قادرة علي تأجيل موتها ووقف تفككها بتجديد إحساسها بهويتها القومية، وهدفها القومي، والقيم الثقافية المشتركة. يحذر هنتنجتون من تأثير الهجرة اللاتينية علي وحدة اللغة ووحدة الثقافة الأمريكية، ويعتبر أن هذه الهجرة، خاصة بعد 1965، يمكن أن تقسم أمريكا إلي قسمين فيما يتعلق باللغة "الإنجليزية والإسبانية" والثقافة "الإنجليزية واللاتينية"، الأمر الذي يمكن أن يحل محل الانقسام بين البيض والسود، باعتباره الانقسام الأكثر أهمية في المجتمع الأمريكي، وسوف يصبح جزءا من أمريكا، خاصة في جنوب فلوريدا والشمال الغربي لاتينيا في المقام الأول، في الوقت الذي تتعايش فيه كل الثقافات واللغات في باقي أمريكا. إزاء هذا الاحتمال يتصور هنتنجتون أن القوي المختلفة، التي تتحدي جوهر الثقافة والعقيدة الأمريكية، يمكن أن تولد حركة من جانب الأمريكيين البيض لإحياء المفاهيم العنصرية والعرقية للهوية الأمريكية، ويقارن بين قدرات جماعات المهاجرين علي الاندماج في الثقافة الأمريكية، خاصة اللغة والتزاوج، فيعتبر أن المهاجرين من الهند وكوريا واليابان والفلبين كانوا أسرع اندماجا بسبب قرب مستويات تعليمهم ولغتهم، عكس مهاجري أمريكا اللاتينية، خاصة المكسيكيين، الذين كانوا أبطأ في عملية الاقتراب من المعايير الأمريكية، مثلهم مثل المسلمين خاصة العرب منهم، مقارنة بالجماعات الأخري التي هاجرت بعد عام 1965 . ويؤمن هنتنجتون بمقولة "إن الأمم تحتاج إلي عدو"، وأنه بذهاب عدو يجب إيجاد عدو آخر ومختلف ثقافيا وإيديولوجيا وعنصريا وقويا وعسكريا بما فيه الكفاية لكي يفرض تهديدا يعتد به للأمن الأمريكي. ويرجع هنتنجتون خصومة المسلمين تجاه أمريكا جزئيا إلي التأييد الأمريكي لإسرائيل، بالإضافة إلي الخوف من القوة الأمريكية والحسد للثروة الأمريكية، فضلا عن عدائهم للثقافة الأمريكية العلمانية التي يرونها نقيضا للثقافة الإسلامية. ويختتم هنتنجتون كتابه بالتساؤل عن دور أمريكا في العالم، وهل سيوصف بالعالمية أم الإمبريالية أم القومية؟ ويتصور في هذه المرحلة الجديدة ثلاثة مفاهيم رئيسية تحدد علاقة أمريكا ببقية العالم، فالأمريكيون يمكن أن يحتضنوا العالم بمعني فتح بلدهم للشعوب والثقافات الأخري، أو أن يحاولوا إعادة صياغة هذه الشعوب والثقافات الأخري في ضوء القيم الأمريكية، أو أن يحتفظوا بتميز مجتمعهم وثقافتهم عن الشعوب الأخري.