أن ينسي الإنسان أحزانه هو من المستحيلات لكن أن يقاوم ألمه هو الإرادة الحقيقية التي لا تتحقق إلا عندما يخرج المرء من ذاته ليعيش مع الآخرين وهنا يتحول الحزن بداخله إلي طاقته من نور لإسعاد الآخرين فبعد أن شعر بالخوف والألم والمرارة أصبح أكثر إنسانية وإيجابية نحو البشرية كلها، فاستحق أن يكون إنسانا يحمل العطاء والخي وهو ما لمسته وأنا أري أفراح الصعيد في الأقصر التي أصبحت درة جنوبالوادي واستعادت مجد الأجداد وعصر حتشبسوت صاحبة أول مدينة للفنون في العالم بأض طيبة ففي زيارتها الأخيرة للأقصر وصعيد مصر ابتسمت سيدة مصر الأولي سوزان مبارك ولمعت عيناها فرحًا وأملا وانطلق صوتها حبا لهذا الوطن وهي تري نتاج أجمل مشروع تعليمي حضاري في الألفية الثالثة، فإذا كان مشروع القراءة للجميع ومكتبة الأسرة أضاء أواخر الألفية الثانية كمشروع للقرن الماضي وبعد أن أصبح للكتاب أهمية وقيمة في القري الصغيرة وفي النجوع حين صار في متناول الجميع خاصة ما أنتجته هيئة الكتاب في بدايات المشروع من موسوعات أدبية وتاريخية وعلمية زينت العقول والمكتبات المنتشرة في أرجاء مصر، ها هي الإرادة السياسية وسيدة مصر الأولي تتبني مشروع المائة مدرسة وهي ونحن نعلم أن هذا ضرب من الخيال والمستحيل لأن عدد الطلاب الذين يتلقون التعليم الأساسي يفوق الخمسة عشر مليونا وهو بحاجة إلي ميزانية الدولة بأكملها لاستكمال النواقص والمباني والمعدات وقبل كل شيء تأهيل المدرس وتغيير المناهج وتوفير الموارد المالية التي تنهض بالتعليم الذي هو مستقبل مصر الحضاري والثقافي والفكري. ولكن إذا كان رجال الأعمال يساهمون في تطوير مدارس القاهرة والعشوائيات وهي عاصمة مصر بها كل النخبة وكل الإمكانات المتطورة وأيضا المراقبة المستمرة والتنافسية الشديدة مع المدارس الخاصة والدولية، إلا أن ما حدث في الأقصر هو بحق نقلة حضارية تعليمية عندما رأينا علي الشاشات التليفزيونية أطفال مدرسة صعيدية يغنون ويرقصون وآخرون يلقون الشعر وبعضهم في حجرة الاقتصاد المنزلي وفي المعامل وعلي أجهزة الكمبيوتر وفي ساحة المدرسة والملاعب والمفاجأة في المُعلم الذي يشرح النحو علي الكمبيوتر مستخدما وسائل التعليم البصري في عصر حضارة الصورة ومعه مفاجأة أخري لفتيات في زي الأمن المدرسي لتحقيق الانضباط والخصوصية المحلية لأهالي الصعيد وللحفاظ علي الصغار والفتيات والثقافة الشعبية فكيف لصعيد مصر قد استعاد بهاءه في الطرق وتحديث المناطق الأثرية والبناء والبنية التحتية والسياحية الدولية ولكن الأهم هو التغيير الجذري الذي سوف يصيب المجتمع وبناءه الداخلي ونسيجه المجتمعي عندما تصبح الأجيال الجديدة علي علم ودراية بأهمية التعليم والبناء الفكري لدور المدرسة الريادي، فليس التطوير هو مجرد أبنية تعليمية ومعامل وعيادة وإنما محاور التعليم هي المعلم والأنشطة والتدريب العملي والمعدات أو الوسائل التعليمية الحديثة وقبل كل شيء الإرادة الداخلية والإيمان بأن ما يحدث علي أرض الأقصر وصعيد مصر هو بداية التطوير والتقدم الحقيقي لهذا الوطن علي أيدي رجال ونساء يؤمنون بالعلم والثقافة. وإذا كان اللواء سمير فرج قد أحدث تلك النقلة النوعية فإن ما أنجزته الإرادة السياسية ودعم السيدة سوزان مبارك هو الذي أعطي الدفعة الحقيقية لنساء الصعيد واللاتي قد أصبحن يتقلدن مناصب قيادية في المحافظات الجنوبية وصرن شركاء في اتخاذ القرار والتنمية ولم تعد صورة امرأة الصعيد تظهر علي أنها مقهورة مظلومة لا تملك قرارها أو إرادتها وإنما تزايدت أعداد الفتيات في المدارس والجامعات وتفوقن وصرن قوي عاملة ومؤثرة في تغيير وجه الحياة في جنوبالوادي وحتي دعاوي الفتنة أو الانفصال العرقي تلاشت في هذا التلاحم والتناغم من أجل صعيد أكثر حضارة حديثة وتقدما عصريا فلن يعيش الصعيد علي الماضي وآثاره العظيمة فقط بل هو قادر علي أن يبني لذاته حضارة جديدة علي أعمدة الماضي الجليل. الفرحة الحقيقية التي دخلت قلبي وعقلي وشعرت بنسائم الأمل ورياح التغيير عندما تابعت طلبة مدارس الأقصر وهم يؤدون مشهدا تمثيليا لمسرحية إيزيس للراحل العظيم توفيق الحكيم فهنا تأكدت أن مستقبل مصر لن يستمر في طريق التطرف أو الإرهاب أو الفتنة والفرقة وإنما هو مستقبل جديد وأن المرأة المتعلمة الواعية ستكون أم المستقبل وأم الجيل المقبل المشارك في ركب المدنية والحضارة المصرية. إذا فرح صعيد مصر بأن أنجز وتعلم وربي وطور البناء والإنسان فإن الابتسامة علي وجه سوزان مبارك هي ميلاد للفرح علي وجوه كل من يبذل من نفسه للآخرين ويخرج من ذاته ليعطي من حوله متساميا فوق المحن والمصائب لأن إيزيس الحياة هي سر الوجود الدائم والعطاء المستمر.