تحدثنا الاثنين الماضي عن الخطاب الديني وذكرنا أنه يتفوق علي الخطاب السياسي أو الثقافي أو الفني أو الاجتماعي، هذا إذا لم يكن هناك ما يسمي الخطاب الكروي، فالكرة والخطاب الديني هما القادران اليوم في مصر علي تحريك الجماهير ثم انتهينا إلي طرح بعض الأسئلة مثل هل طبيعة وتكوين الخطاب الديني تجعله يرفض الآخر؟ وهل هو خطاب واحد أم متعدد النماذج؟ ولماذا يصر القائمون عليه علي بقائه هكذا دون تغيير؟ وللإجابة علي السؤال الأول نقول نعم إن طبيعة الخطاب الديني وتكوينه الحالي تجعله يرفض الآخر ودليلنا علي ذلك هو ما يلي: 1 - إن الخطاب الديني بطبيعته وتكوينه يتحدث عن مطلقات: فالخطاب الديني يتحدث عن أبيض مطلق وأسود مطلق، خير مطلق وشر مطلق، أي أن المنطقة الرمادية غير موجودة في الخطاب الديني، وبالتالي فإن أتباع الدين الذي يعبر عنه الخطاب هم الذين يحملون الحق المطلق أما الآخرون مهما كانوا، فهم يحملون الزيف، والحدود في هذا الخطاب واضحة والدلائل معلنة، والمصطلحات لا لبس فيها، ولذلك فكل من ليس من الخير فهو في الشر ويجب احتقاره ورفضه. 2- إن الخطاب الديني بطبيعته وتكوينه يتحدث عن مقدسات: بمعني ما يقوله المفسر يعضده بآيات مقدسة، ولذلك فالرأي هنا ليس للمفسر أو للواعظ، ولكنه لله، فالله هو الذي يقول، ومضمون كلمات الله يقدمها الواعظ، فمن يجرؤ علي مناقشة الله؟ وإذا حاول شخص آخر تقديم أي اجتهاد أو تفسير مختلف، هنا يقع التكفير فكل شخص يكفر الآخر. 3- أن الخطاب الديني بطبيعته وتكوينه يركز علي الذات والكيان: فمن أساسيات الخطاب الديني هو التركيز علي الذات، والدعوة للانتماء، وتعليم المبادئ الأساسية للدين، وحتي بدون قصد الهجوم علي الآخر المختلف، فالتركيز المبالغ فيه علي الذات يعني في مضمونه نفي الآخر أو المختلف، أو علي الأقل لا يضع الآخر في وعيه أثناء القاء خطابه، فتعليم الأطفال لدين معين وإعطائهم جوائز دون ذكر لوجود أديان أخري أو أفكار مختلفة فهذا يعني ضمناً رفض الآخر وجوداً وعدماً، وهذا ما يطلق عليه علماء النفس »التعصب بالحب« فمن كثرة حب الإنسان لدينه يتجاهل وجود أديان أخري فكلمة تعصب تأتي من وضع عصابة علي العين فلا يري المتعصب اختياراً منه وليس لأنه أعمي، وكل هذا دون نية سيئة. 4 - إن الخطاب الديني بطبيعته وتكوينه يرفض الحوار: فالخطاب الديني له اتجاه واحد من المتحدث إلي المتلقي فهو مونولوج Mohologue وليس Dialogue ، وهنا يقوم صاحب الخطاب بتخيل الآخر وهو يحاوره، فيثير الأسئلة ويرد هو عليها، ويقوم بتفسير نصوص الآخر بحسب وجهة نظره الخاصة، ومن هنا رأينا من يأخذ آيات الانجيل، ويفسرها علي أنها نبوءات عن مجيء الإسلام والقرآن والرسول، وعلي الجانب الآخر رأينا من يقتبس آيات من القرآن ويفسرها علي أنها تتحدث عن ألوهية المسيح وصلبه وقيامته.. الخ.. وهذه النوعية من الخطابات يطلق عليها حوار الطرشان لأن كل طرف يفسر التوراة والإنجيل والقرآن بحسب عقيدته وفهمه.. ولا يسمح للآخر أن يقوم بنفس الشيء، وهكذا لا يسمع كل طرف إلا نفسه فهو أطرش بطبيعته. 55 - إن الخطاب الديني بطبيعته وتكوينه يتضمن دعوة الآخرين المختلفين للانضمام إليه: لأن الخطاب الديني بطبيعته خطاب دعوة للآخرين، واقناعهم بالعدول عن أفكارهم والانتماء لأصحاب الخطاب لذلك فهو خطاب دفاعي هجومي، ففي مرحلة الدفاع يحاول الرد علي الخطابات الدينية المطروحة علي الساحة والمختلفة معه، ثم يقوم بعملية هجوم عليها، ولأنه خطاب اقناع ودعوة لذلك فهو يستخدم كل أدوات الاقناع الممكنة من ترغيب وترهيب. وهكذا تري عزيزي القارئ أن الخطاب الديني بطبيعته وتكوينه يرفض الآخر، أما السؤال الثاني عن نماذج الخطابات الدينية المطروحة علي الساحة فسوف نتحدث عنها الاثنين القادم.