كانت الساعة تقترب من الخامسة مساء الأربعاء 27 يناير، والسيدة تدخل عيادة التأمين الصحي- الحرية بالإسكندرية، مستندة بكل ضعف علي زوجها المرتبك.. أرشدتها الموظفة لحجرة الكشف قائلة: الدكتور حسين بان الضيق علي الطبيب وهو يتثاءب، أخذ منها دفتر التأمين الخاص بها قائلا: هيه عندك إيه، ردت: الضغط عالي جدا وقلبي مش طبيعي كان تعليقه بعد قياس ضغط الدم: الضغط نموذجي 130 علي 80، بلاش دلع، وإدعاء مرض، مع السلامة. لم تقتنع المريضة بالطبع لأنها أدري بحالتها ومن ثم حاولت الوصول لمدير عيادة الحرية دون جدوي، اتجهت لطبيب ثان، قاس ضغطها، وجده 180 علي 130 كاد يصرخ: تروحي لمستشفي فورا لن أعدل أو أصلح اللي د.حسين دونه في دفترك بالطبع مجاملة لزميله وقد كان. لم يكن الظرف يسمح للزوج بمجرد الرد وهو يسمع تعليق د.حسين القائل: يعني مش عاجبكم الكشف بتاعي جابين ليه التأمين، هي ناقصة: مع كذا جملة تقطر سخرية تليق بطبيب كان يستمتع بالنوم في العيادة علي ما يبدو أسرع الزوج إلي مستشفي حكومي أيضا، قاسوا الضغط فكان 180 علي 130 أيضًا، ثم مع أدوية نزل إلي 170 علي 120 بعدها نصحها بعضهم بالاتجاه إلي طبيب خاص، وقد كان، وهناك أخذ الطبيب ينحي باللوم علي ممارس التأمين مبديا الحزن علي ما وصل إليه الحال، ومع علاج سريع نزل الضغط إلي 160 علي 100 واستمرت مراقبة الحالة حتي ما بعد منتصف الليل، حيث عاد الزوجان إلي المنزل بعد تجربة مريرة كان لابد أن تنتهي بخسارة معنوية وعصبية ثم مادية بالطبع حسب فيزيتا كشف الطبيب الخصوصي عندها تذكر الزوج أنه في معمعة الكشف الأول لدي الممارس د.حسين مكاوي قال له أحدهم: روح اشتكي في ستانلي، المركز العام للتأمين.. أمال لو العيادة زحمة كان عمل معاكم إيه.. ده مافيش غيركم في العيادة ودي العيادة الرئيسية في وسط البلد،وشارع فؤاد كمان.. لكن الزوج لم يكن في حالة تسمح له بمجرد الرد علي سخرية الممارس الأول أو رفض مجاملة زميله له بتعديل تسجيل الضغط. كانت تلك مصادفة غير سارة أصابتني بمشاعر الحزن وربما اليأس من إصلاح أحوال يعاني منها الكثير من البسطاء، أصحاب الحقوق، فهذه مواطنة مشتركة في التأمين الصحي، تسدد ما عليها من رسوم، موظفة في حالة طارئة من ضغط دم مرتفع لدرجة الخطورة، أسرعت تستنجد بطبيب التأمين فكان نصيبها مزيجا من الإهمال المتعمد أو المعتاد، مع سماع وصلة استهزاء لا تليق ومن ممارس في أواخر الخمسينيات وليس من خريج حديث، وكأن المريضة لا يكفيها ما هي فيه من مرض وألم ورعب، لأن مجرد زيارتها لعيادة التأمين تمثل إهانة للسيد الطبيب، ملاك الرحمة -بافتراض ما يجب أن يكون- ممن أدي قسم أبوقراط بافتراض الوفاء بالقسم! وللمرء أن يتعجب متسائلا: بعض أطباء التأمين الصحي يعاملون المرضي باعتبارهم شرا لابد منه، أو ضيوفا غير مرغوب فيهم، أو أنهم بالبلدي كمالة عدد وربما تلقيحة وببلاش كمان.. ويتناسي الطبيب أن مرتبه مع البدلات يستقطع من دخل المرضي المذكورين، طالما -إذن- أن التأمين بالنسبة لهم الأطباء المذكورين أقصد مش قد المقام.. لماذا لا يغادرون.. متجهين لافتتاح عيادات خاصة؟ كي يستريحوا من أبوبلاش؟ أمثال وفاء وفوزي مثلا. وأتساءل أيضًا هل قياس ضغط الدم يحتاج عبقرية؟ كيف لممارس أن يعجز -عمدا أو قصورا- عن القيام به؟ ثم مع ذلك يسيء معاملة المريضة؟ بل ويزيد حالتها تفاقما وخطورة؟! ألا يكفي مرضي التأمين قبولهم بأدوية ذات مواد فعالة ingredients متواضعة المستوي والتأثير العلاجي، ولن أتحدث هنا عن تاريخ صلاحية الأدوية، يكفي أنها ضعيفة الفعالية تأكيدا.. وكلنا يعرف ذلك.. ألا يكفي هذا كي نعاملهم بوصفهم مواطنين من الدرجة العاشرة؟ وكي نضطر القادر منهم بل وغير القادر تحمل تكلفة كشف وعلاج في عيادات خاصة، ثم تكلفة أدوية خاصة؟! هي قصة ترجع بنا إلي الموظف المصري الذي يدخل دائرة العمل مكرها، كي يوقع الحضور وربما معه الانصراف، ويستهلك وقته خارج المكتب أو المصلحة، أو بدوام الشكوي من تأخر العلاوة والترقية وزحام العمل والجمهور، ومافيش حد بيقدّر المجهود بتاعي! هكذا.. ومن يزر منا مصلحة حكومية يعرف ذلك وأكثر.. ويعاني من ذلك وأكثر حتي بات دخول مصلحة هو العذاب بعينه، ناهيك عن إضاعة الوقت وخطط تسليك الأمور والذي منه. لكن ذلك شيء والعلاج والمرض والضعف الجسدي أشياء أخري، فالمريض له وضع خاص في كل حال، يفترض أن يعامل كإنسان له كل الحق في العلاج حتي ولو لم يكن مشتركا فيما يسمي التأمين الصحي.. لكن أن يقوم ممارس الحرية بالاستهزاء بحالته.. فهذا هو العجب بعينه، حتي لو اعتبر ذلك الممارس أن اسم العيادة الحرية يمنحه حق حرية إهانة المترددين علي عيادة شارع فؤاد والنبي دانيال بالإسكندرية لكن أن يغطي زميله علي تسجيله الغلط ضغط المريضة راجيا زوجها التغاطي عن ذلك، فهذا هو العجب الآخر ثم أن يدور المواطن المريض من طبيب لآخر، ومن تأمين لمستشفي، دون جدوي كي يضطر اللجوء لطبيب في عيادة خاصة إنقاذا لحياته فهذا هو الأسف واليأس بعينه، الأسف علي ذلك التأمين غير الصحي، واليأس من إصلاح الأحوال طالما أن الممارس يتثاءب والرقابة غائبة. لكنها مسألة ضمير علي ما يبدو.