لو كنت مكان المسئولين المصريين لتعاملت بالكثير من الحذر مع الدعوة التي أطلقها قبل يومين رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل للقاهرة لجمع الفصائل الفلسطينية للتوصل إلي مصالحة وطنية. ومبعث هذا الحذر راجع إلي أن حركة حماس هي من يعطل المصالحة، ويعرقلها، حتي بدا للكثيرين انها غير راغبة في الأساس في تجاوز الانقسام الفلسطيني الراهن، وأقصي ما تريده هو الإبقاء علي سيطرتها علي غزة، حتي ولو أدي ذلك إلي ضياع القضية الفلسطينية. ومن قبل وخلال عام من المفاوضات انتهت القاهرة مرتين من إعداد وثيقة المصالحة وجهزتها للتوقيع، لكن حركة حماس تراجعت في المرة الأولي وأثارت قضية المعتقلين الحمساويين في الضفة، وفي المرة الثانية استغلت تقرير جولدستون حول جرائم الحرب في غزة لعدم الحضور للقاهرة للتوقيع. وفي كل مرة كانت حماس تعطل توقيع اتفاق المصالحة، كانت تعود مرة أخري بتصريحات مثل التي أطلقها مشعل عن الحاجة للمصالحة، وحين تحين ساعة الجد تبحث حماس عن أية ذريعة لتعطيل المصالحة وليس اتمامها! وفي ضوء هذا السلوك المتكرر من حماس يبدو السؤال مشروعا: ما هي ضمانة أن ما يقوله قادة حماس حقيقي وصادق؟.. وهل ترغب حماس في إنهاء الانقسام الفلسطيني فعلا؟.. أم أن ما تقوله في هذا الصدد لا يخرج عن حدود المناورات التي اعتادت حماس التعامل بها طيلة جلسات الحوار الوطني التي امتدت نحو عام؟! الإجابة ربما أصبحت واضحة لدي عدد غير قليل من دوائر صناعة القرار في العالم العربي، ورغم أن الجميع يدرك أن أي حل للمشكلة الفلسطينية يبدأ بالمصالحة الداخلية، فإن الجميع أيضًا يتشكك في وجود رغبة حقيقية لدي حماس لبدء مصالحة حقيقية مع حركة فتح. ولا أعلم إذا كانت الحكومة المصرية ستتجاوب مع دعوات حماس للعودة للقاهرة هذه الأيام أم لا؟.. لكن الأكيد أن هناك حالة من عدم الثقة لدي الوسيط المصري تجاه حماس خاصة أن وثيقة المصالحة قد أنجزت بالكامل وبعد لقاءات علي مستويات رفيعة مع الفصائل الفلسطينية، صاغت بعدها القاهرة الوثيقة وفقا لما تم الاتفاق عليه بين قادة الفصائل الفلسطينية.. بمعني أنه لم يعد لدي القاهرة جديد لتقدمه في هذا الصدد. ولو كنت مكان الوسيط المصري لرددت دون دبلوماسية أن وثيقة المصالحة لدي حماس وقد وقعت عليها حركة فتح، وإذا أرادت حماس المصالحة فعلا فلتوقع علي الوثيقة، حتي تشرع مصر في بدء إجراءات تنفيذها بضمانات مصرية وعربية حسبما تنص وثيقة المصالحة في صيغتها النهائية. وحتي لو فعلت القاهرة ذلك أشك أيضا في أن حركة حماس ستوقع، وحتي لو وقعت فإنها ستجد أي وسيلة أو مبرر للتهرب من التنفيذ، فحماس لا تريد المصالحة ولا تسعي إليها، ولا يهمها الشعب الفلسطيني.. فكل ما يعنيها أن تبقي إمارتها في غزة!