أدخل منتخبنا لكرة القدم البهجة علي جميع المصريين في الداخل والخارج بفوزهم المستحق ببطولة أفريقيا وحقق أرقاما قياسية في الاحتفاظ بالبطولة لثلاث دورات متتالية. والأهم من ذلك هو روح الكفاح والتعاون والعطاء التي أظهرها الفريق إلا أن الأكثر أهمية هو وقفة جميع المصريين خلف فريقهم والتفافهم حوله والأعلام المصرية التي رفعت ووحدت الكل وروح الانتماء التي أبداها الجميع والفخر والاعتزاز بالأداء المصري المميز. وعاود اسم مصر في تصدر النشرات الرياضية العالمية وأخذ في احتلال مكانه المرموق الذي تواري لفترة في أفريقيا. وإن كانت هذه صحوة رياضية أفريقية فيلزم أن يتبعها ويواكبها صحوة دبلوماسية وتعليمية وثقافية وتحركات تجارية لتعميق انتماء مصر لقارتها الأفريقية والتعاون مع بلدانها علي جميع المستويات لاسترجاع دورها الرائد الذي خبأ قليلا في أفريقيا وما لوحظ من عدم مساندة بعض دول أفريقية لنا في بعض المحافل الدولية والذي كان أمرا محسوما في السابق. وهذا ضرورة حتمية حفاظا علي مصالحنا الاستراتيجية وتأليفا للقلوب الأفريقية. فأفريقيا بابنا الخلفي ومنه ينبع نهر النيل الذي يمثل شريان حياة مصر. فالنيل الأزرق أحد روافد النيل الرئيسية ينبع من بحيرة تانا في هضبة الحبشة ويكون معظم مياه النيل وغرينه والنيل الأبيض الرافد الآخر ينبع من البحيرات الاستوائية الكبري بأواسط أفريقيا. وتأمين منابع نهر النيل ومصادر المياه أحد أهم قضايا أمن مصر القومي سواء في الحال أو الاستقبال. ويزيد من أهمية الأمر أن عدد السكان بمصر سيصبح حوالي 85 مليون نسمة عام 2015 وأن معدل تزايد السكان يبلغ حوالي 2.8٪ وهو أعلي من معدل تزايد انتاج الغذاء مما قد يسبب عجزا في المياه. فضلا عن وجود بعض خطط لمشروعات لبعض الدول علي النهر مما قد يؤثر علي حصة مصر في المياه وهو ما طفا علي السطح منذ عدة شهور وأثار بعض مشاكل لم تجد طريقها للحل بعد. وعليه يظهر أهمية التنسيق والتعاون الافريقي وزيادته وتبرز الأهمية القصوي لدول حوض النيل بالنسبة لمصر وتشمل دول: أوغندا- السودان- أثيوبيا- الكونغو- كينيا- تنزانيا- رواندا- بوروندي. مع حتمية الاتجاه جنوبا وأفريقيا لتعزيز العلاقات والتعاون المشترك معها. والدور الفعال للتواجد المصري وزيادة التبادل التجاري والثقافي والتعاون الفني مع تلك الدول وما قد يشمله من تقديم مساعدات ومعونات مالية وخبرات فنية وطبية وارسال بعثات وخبراء واستقدام متدربين ومبتعثين واقامة مشروعات مشتركة مما يزيد من وحدة أبناء حوض النيل ووجوب تعزيز ذلك الدور وتشجيعه لأقصي حد ممكن. كما تظهر أهمية تنسيق السياسات المائية والاستخدام المشترك للمياه والسيادة المشتركة عليها. إذ إن استخدام واستغلال الأنهار الدولية والمشتركة تحكمه معاهدات واتفاقات يتم مراجعتها علي فترات والسبيل إلي ذلك هو المناقشة والتفاوض وإنشاء خطط مشتركة متكاملة والأخذ في الاعتبار تأثير المشروعات والسدود المقامة والعوامل الجوية. ويجب أن يتواكب مع ذلك ترشيد الاستهلاك الزراعي والفردي للمياه ودراسة مشروعات التحكم في الفواقد. فأين زيادة التعاون والتنسيق مع الدول الافريقية وما نلحظه من التأثير المصري الذي أفل قليلا مواكبا مع انحسار دور الأزهر في البلاد الأفريقية ذات الأغلبية والتجمعات المسلمة ودور مدرسينا في القرن الأفريقي وموريتانيا وانحسار دور الكنيسة المصرية في أثيوبيا وما حولها وما نشهده من قلة المبتعثين الأفارقة في جامعاتنا ومعاهدنا وقلة عدد الشركات المصرية المشاركة في التنمية في أفريقيا. وأين توسيع الدور المصري للتعاون مع أفريقيا فما يقدمه صندوق التعاون الفني مع أفريقيا من بعض منح ومساعدات فنية وطبية وتدريبية وخبراء وما يجري من إنشاء فروع لجامعة الاسكندرية في تشاد وجنوب السودان ومثيلاته أمر محمود إلا أنه لا يتناسب مع ما تقوم به بعض الدول من أدوار للحلول مكان دور مصر الريادي في افريقيا بل والسيطرة علي مصادر مياهنا والمداخل الجنوبية للبحر الأحمر ومخاطر ذلك علي أمننا القومي. فلا تكفي بضعة مشروعات ومنح أو التبرع ببناء وتجهيز بعض مستشفيات ومنازل وتطهير حشائش وحفر آبار بل يجب التوسع في ذلك. وأين أعداد الطلبة الوافدين من تلك الدول وأين ذهبت إذاعاتنا وبرامجنا الموجهة لها وبلغاتها . بل ما هي نسب التعاون التجاري مع هذه الدول وهل أقمنا صناعات أو مشروعات تجارية وتنموية بها. أوليس استيراد لحوم من السودان وأثيوبيا وأوغندا مثلا أجدي منه من دول أخري بعيدة. بل وما هي أسباب تعويق صفقات اللحوم الأثيوبية التي تمت مؤخرا. وأين الدور الرائد المتوقع لوزارة الري في أفريقيا . بل أين تعزيز طرق الربط والمواصلات مع الدول الافريقية. وأين زيادة التعاون مع بلدان أفريقية متقدمة كجنوب أفريقيا لها باع كبير في المجالات الكهربية والنووية والتعدينية. ويلزمنا التحرك سريعا تجاريا ودبلوماسيا وثقافيا للاستفادة من الفرص التي أعاد فتحها أمامنا فوز فريقنا بالكأس الأفريقية لزيادة تعاوننا مع الدول الأفريقية لمصلحتنا القومية وعلينا ألا نتباطأ أو نتقاعس حتي نفاجأ بأن الفرص المتاحة قد اقتنصها آخرون وأزاحونا من موقعنا الطبيعي والمطلوب وبعضهم قد لا يضمر الخير لنا وحينئذ لا نلومن إلا أنفسنا.