يعتبر ألفين توفلر Toffler واحداً من أهم العلماء في العالم حالياً المشتغلين برسم توقعات عن المستقبل، وبتقديم سيناريوهات لما يمكن أن يكون عليه الإنسان، نفسياً، وثقافياً، واجتماعياً، في العقود القادمة.. ويشير بعض المفكرين إلي أن توفلر يعتبر وبحق "عميد كُتَّاب المستقبليات ودراسات المستقبل في العالم".. وقد أصدر توفلر عدة كتب مهمة، منها "زعزعة الأساسات"، و"الموجة الثالثة"، و"تحول السلطة"، و"صدمة المستقبل" وغيرها. في كتابه "صدمة المستقبل" أشار توفلر إلي أن المستقبل سيكون صدمة للأجيال القادمة، ولن يكون تطوراً، وأن الإنسانية سوف تشهد عالماً جديداً ومختلفاً نوعياً وكمياً عن العالم الذي عاشت فيه في الماضي والحاضر، ومن ثم، فإن علي الإنسانية أن تبحث عن الآليات والميكانزمات التي تساعد الإنسان علي التكيف مع هذه الصدمة. وفي كتابه "الموجة الثالثة"، أشار توفلر إلي أن البشرية قد مرت بثلاث موجات حضارية أساسية في تاريخها.. حضارة الموجة الأولي التي قامت بعد الثورة الزراعية منذ عشرة آلاف عام، وحضارة الموجة الثانية التي قامت علي نتاج وثمار الثورة الصناعية التي حدثت منذ ثلاثة قرون.. ثم حضارة الموجة الثالثة التي نعيش فيها حالياً ومن المحتمل أن تستمر تأثيراتها لعدة عقود، وهي حضارة قائمة علي ثورة المعلومات والانترنت والاتصالات. وإذا كانت صدمة المستقبل احتمالاً قائماً بالنسبة للعالم المتقدم، وإذا كانت تدفقات الموجة الحضارية الثالثة ترتطم وتداعب شواطيء العالم الغربي، فإننا في عالمنا العربي نواجه مشكلة ثقافية وحضارية من نوع آخر ومختلف عن مثيله الغربي. في عالمنا العربي، نواجه حالياً "صدمة الحاضر"، تلك الصدمة المتمثلة في عدم القدرة علي التعامل مع معطيات الواقع، وعدم القدرة علي التآلف مع معطياته. تلك الصدمة التي تجعلنا نقف "محلك سر" في كثير من مجالات التقدم، وتجعلنا نميل إلي "الجري في المحل"، بدلاً من محاولة ارتياد مجالات جديدة، أو ارتقاء مستويات مختلفة . وفي المجال الحضاري، لا يزال العالم العربي في بدايات حضارة الموجة الثانية، علي أعتابها ولم ندخلها بعد.. ولا يزال الشوط بعيداً، ولا تزال المسافات التي يجب أن نقطعها كبيرة.. ولا تزال حضارة الموجة الثالثة غير ظاهرة في الأفق، ولا يبدو أننا سندركها في المستقبل القريب. عندما تمتزج "صدمة الحاضر"، مع مساويء حضارة "الموجة الثانية"، يكون علي العقلاء في المجتمع أن يبحثوا عن البدائل التي يمكن أن تسرع من قدرة المجتمع علي امتصاص هذه الصدمات، دون الانسحاب من الحاضر، ودون الرجوع فكرياً وثقافياً إلي الماضي والاحتماء به. وكذلك، إيجاد الوسائل الكفيلة باستقدام بعض تجليات الموجة الحضارية الثالثة، دون استغراق في الأماني، أو استخفاف بأهمية تأمين المستقبل الحضاري لأولادنا.