أرسل لي أحد القراء المهتمين بالثقافة بوجه عام يشكو من عدم جدوي تشجيع أبنائه علي القراءة بالرغم من محاولاته المتكررة ليحببهم في القراءة من شراء الكتب والقصص المختلفة إلي إقناعهم بأهمية القراءة.. وبالرغم من ذلك مازال الأبناء يفضلون الكمبيوتر والإنترنت علي القراءة.. ولا تبدو المشكلة غريبة إذ إن كثيرين من الآباء والأمهات من محبي القراءة يعانون من المشكلة ذاتها مع أبنائهم.. هل هي مجرد صفة مشتركة بين أبناء هذا الجيل؟ أم أنها تخص بعضهم فقط؟ وهل لها أسباب؟ وما هي؟ الواقع.. إن أعراض عدم محبة الكتاب بين أبناء هذا الجيل تنتشر انتشارًا كبيرا حتي أصبح من النادر أن تجد أطفالا أو حتي بين صغار الشباب من يحب الكتاب.. والملاحظ أيضا أن الكمبيوتر والإنترنت صارا بديلين عن الكتاب ليس في البحث عن المعرفة بل لقضاء الوقت وكبديل عن الاجتماعات وجها لوجه.. وصحيح أيضا أن كل أشكال القراءة كالجرائد والمجلات صارت تخص الكبار ولا تنتمي للأطفال ولا الشباب. والمشكلة - في رأيي - ترتبط ارتباطا وثيقا بالتعليم في بلادنا أكثر مما ترتبط بالكمبيوتر والنت، علي الرغم من أنهما قد يكونان سببا مساعدا علي إيجاد بديل ممتع عن القراءة.. وقد يجد البعض أن تفسيري هذا غريب، ولكن عندي بعض ما يؤيده.. فأطفال هذا الجيل ممن لا يقرأون غالبا ما تنشأ بينهم وبين الكتاب عداوة منذ الطفولة المبكرة وفي بداية عهدهم بالقراءة وبالتعليم.. إذ إنهم يبدأون التعرف علي الكتاب مع الكتاب المدرسي وهذه من الأخطاء التي يجب أن يتنبه لها الآباء.. فينبغي أن يعرف الأبناء الكتاب في أعمار مبكرة جدا جدا ويقرأ لهم الآباء قصصا من الكتب قبل المدرسة بعام علي الأقل. فماذا يحدث مع المدرسة؟ يتولد شعور العداوة بين الطفل والكتاب للأسباب التالية: أولاً: لأن النظام التعليمي يطالب التلميذ لا بقراءة الكتب والاستمتاع بالمعلومات، بل بحفظ الكتب والاحتفاظ بالمعلومات حتي الامتحان ثم إلقاء الكتب والمعلومات في سلة المهملات.. ثانيا: لأن الآباء والأمهات - مع هذا الضغط الهائل من المنافسة وكثرة الواجبات المدرسية والتحدي في الامتحانات - غالبا ما يزيدون من الضغط علي الأبناء بمطالبتهم بالتفوق الدائم و"حفظ الكتاب".. وثالثا: لأن الكتاب في منظومة التعليم الحالية لا يمثل للطفل سوي عبء زائد يحمله في حقيبة كبيرة ثقيلة علي كتفه أو ظهره ويود أن يتخلص منها بما فيها من كتب.. ألا تكفي هذه الأسباب ليكره الطفل الكتاب؟ فهو مرتبط بالدراسة التي صار يكرهها، ويتمني أن تأتي الإجازة فيتخلص من كليهما.. والكتاب لا يسليه ولا ينفعه، ويضغط أعصابه بالمذاكرة فيه طوال العام الدراسي فكيف نطالبه بأن يصادقه حتي في الإجازة، وحتي لو كان كتابا مختلفا؟ حب الكتاب لا يأتي بمجرد توافر الجينات الوراثية وانتقالها من الآباء إلي الأبناء.. ولا يكتسب بمجرد القدوة ورؤية الكبار يقرأون.. بل هي عملية مركبة تحتاج لتضافر جهود جهات مختلفة ولسنوات طويلة حتي تعطي ثمرا.. وللحديث بقية..