الشراكة الاقتصادية هي العنوان العريض الذي اختاره الرئيس الأمريكي باراك أوباما لعلاقات بلاده مع دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا في اطار سعيه لبناء استراتيجية أمريكية جديدة تجاه المنطقة لا تقوم علي التدخلات العسكرية. وفي الذكري الأولي لتنصيب أوباما رئيسا للولايات المتحدة، احتفي معهد بيترسون للاقتصاد الدولي في واشنطن بهذه المناسبة بطريقته الخاصة عبر اصدار دراسة هامة بعنوان "اعادة اشراك مصر: خيارات للعلاقات المصرية الأمريكية الاقتصادية" حلل فيها العلاقات الاقتصادية بين مصر وأمريكا، مرجعا هذا الاهتمام الخاص لموقع مصر الاستراتيجي علي الصعيدين السياسي والاقتصادي بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا. وقالت الدراسة ان تعزيز الشراكة الاقتصادية بين القاهرةوواشنطن، سيعني زيادة العمليات التجارية البينية والاستثمارات والتعاون في المبادرات الاستراتيجية. حددت الدراسة التحدي الحقيقي للسياسة الأمريكية بأنه يكمن في الدبلوماسية التجارية التي تدعم التطور الاقتصادي في مصر عبر تعميق علاقات التجارة والاستثمار عن طريق دعم الاستثمارات في البنية التحتية ومساعدة مصر في تحسين جودة رأس مالها البشري. وأضافت أن هذه السياسة سوف تضمن لواشنطن شريكا قويا ومستقرا في المنطقة كما ستعزز العلاقات الاقتصادية بين البلدين بما يفيدهما. واعتبرت الدراسة أن الوقت ملائم لكي تضيف الولاياتالمتحدة لاستراتيجيتها الدبلوماسية استراتيجية تنمية اقتصادية للشرق الأوسط. تؤكد الدراسة أن نجاح أي استراتيجية جديدة للشرق الأوسط يعتمد وبشكل مهم علي مستقبل العلاقات الاقتصادية بين مصر وأمريكا وأن تعميق هذه العلاقات له مردود ايجابي علي الصعيد التجاري والسياسي يتجاوز النفط والغاز التي لا تقتصر عليهما المصالح الأمريكية في هذه المنطقة، كما انه يوفر فرصة لاعادة انعاش العلاقات المصرية الأمريكية واعطاء دفعة لعمليات التجارة في الاتجاهين. ولفتت إلي أن المقدرات الاقتصادية الهائلة غير المستغلة التي تتميز بها مصر قد تجلب الرخاء للبلد في حال استغلالها وقد تفاقم من التوترات الداخلية في حال تجاهلها، مشيرا إلي أن الاصلاحات الاقتصادية التي جرت في مصر منذ عام 2004 خلقت فرص تجارة واستثمار جديدة لكنها لم تنجح في التخفيف من الفقر المزمن والبطالة. انتقدت الدراسة العلاقات التجارية بين مصر وأمريكا قائلا انها تحتاج إلي نمو كبير اذ ان اجمالي العمليات التجارية البينية لعام 2008 كان 8،4 مليار دولار وهي تمثل أقل من 5٪ من العمليات التجارية الأمريكية مع كافة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، بينما الاستثمارات الأمريكية المباشرة في مصر تصل إلي 8،8 مليار دولار بنهاية 2008 وتتركز في مجال التعدين والبترول، أما مفاوضات التجارة الحرة فتم اجهاضها أمريكيا عام 2005 بسبب بعض خلافات سياسية مع القاهرة ثم انشغال المسئولون الأمريكيون بالأزمة المالية وبقضايا سياسية داخلية وخارجية. وتوقع مؤلفا الكتاب ألا يتم التوصل لاتفاقية تجارة حرة بين الطرفين في المستقبل القريب وبالتالي فان الاعتماد عليها لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين القاهرةوواشنطن يعد حلا غير عملي. وذكرت الدراسة أنه بالرغم من اطلاق الادارة الأمريكية السابقة لمبادرة منطقة التجارة الحرة الشرق أوسطية (مفتا) لنشر الحرية والرخاء الاقتصادي بحلول عام 2013، الا أن المبادرة يشوبها القصور في تحقيق هدفها في موعده خاصة أن السياسة الاقتصادية التي تتبعها الولاياتالمتحدة تجاه الشرق الأوسط وشمال افريقيا تسير حاليا بلا هدف. وبالرغم من اعتراف الدراسة والبيت الأبيض وحتي الكونجرس بأهمية مصر الاستراتيجية، الا أن أرقام الاستثمارات الأمريكية المباشرة في المنطقة تبين أن مصر تأتي في المرتبة الثالثة بعد اسرائيل وقطر حيث تحصل علي خمس هذه الاستثمارات وفي المركز الرابع بالنسبة لأسواق التصدير الأمريكية بالمنطقة اذ تستقبل 9٪ من الصادرات الأمريكية بعد الامارات واسرائيل والسعودية، وفي المركز السادس من حيث الدول المصدرة للأسواق الأمريكية بعد السعودية التي تحتل القائمة ثم اسرائيل والجزائر والكويت وليبيا. وبرغم المكانة الخاصة التي تمتعت بها مصر في السوق الأمريكي منذ عام 1975 من خلال برنامج النظام المعمم للأفضليات (جي اس بي)، الا أن الصادرات المصرية الهامة استبعدت مثل الملابس والجلود والسيراميك بسبب عوامل مرتبطة بالتنافسية التجارية ولم تصل سوي المنتجات الغذائية وأعمال الأحجار والرخام والمصابيح والأقلام المصرية إلي السوق الأمريكي. لكن منذ ديسمبر 2004 حين وقعت اتفاقية الكويز، اتسع نطاق السوق الأمريكي بالنسبة للمنتجات المصرية. وأوصت الدراسة بتعزيز العلاقات الاقتصادية بين القاهرةوواشنطن من خلال اتفاقيات التجارة والاستثمار القائمة والعلاقات بين غرف التجارة وشبكات البيزنس الأخري وذلك لجعل البرامج الأمريكية تتجه مباشرة لدعم جهود توسيع فرص الانتاج والعمالة في مصر بهدف تحسين وضع مصر علي صعيد المنافسة الدولية. ودعت الدراسة لاقامة مزيد من المناطق الصناعية المؤهلة (الكويز) واشراك مزيد من الشركات خاصة في مناطق جغرافية جديدة لخلق فرص عمل أكثر يفضل لو كانت في مجالات أخري غير الملابس، كما طالبت الحكومة الأمريكية بالتفاوض مع مصر حول سبل تحرير تجارة الخدمات علي غرار الاتحاد الأوروبي مشيرة إلي أن اتفاقية في هذا الاطار ستمنح الأولوية للقطاعات التي يكون فيها التحديث ضروري وتتواجد فيها الشركات الأمريكية بغرض المنافسة أو استقدام تكنولوجيا جديدة وممارسات ادارية لكي تساعد مصر في اكتساب تنافسية دولية. وأوضحت الدراسة أن القطاعات التي تحتل أولوية أمريكية في تطوير بنيتها التحتية هي قطاعات النقل البري والبحري والبناء والكهرباء والمعلومات والاتصالات وهي قد تساعد مصر في استغلال موقعها الاستراتيجي وتصبح لاعبا أكثر هيمنة في عمليات النقل والاتصالات والتشبيك الاقليمي، كما أوصت بادراج الخدمات المهنية في هكذا مفاوضات بحيث يستطيع المهنيون في كافة المجالات في البلدين أن يجلبوا أفكارهم ومواهبهم للطرف الآخر. وطالبت الدراسة بتأسيس صندوق استثماري مشترك بين مصر وأمريكا يختص بالتغيرات المناخية ليساعد المصريين المتضررين من هذه التغيرات علي تحمل الأضرار والتي تشمل احتمال تغيير مناطق السكن بعد أن أكدت عدة دراسات أن مصر ستكون من أكثر الدول تضررا من التغيرات المناخية.