هل ندعو الله أن يجعل كل أيامنا مباريات ودورات كروية أفريقية أو عالمية؟ هل نطمع في أن يداوم منتخبنا الوطني لكرة القدم علي المشاركة في بطولة تلو أخري دون توقف وأن يفوز بالدورة الافريقية ثم يشارك في دورة قارية أخري ويخرج منها ليدخل في مشاركة عربية ثم بطولة دولية ودية أو رسمية، وأن ننام ونصحو كل يوم علي أخبار المنتخب ولاعبي المنتخب ومدرب المنتخب ومساعد مدرب المنتخب ومدلك المنتخب والبرامج التليفزيونية للمنتخب والمواقع الالكترونية كي تنقل أحداث وأخبار المنتخب؟ لن نبكي علي اللبن المسكوب ونلطم الخدود علي خروج المنتخب من تصفيات المونديال العالمي لكن الحزن يبقي قائماً ليس فقط لغياب مصر عن ذلك المحفل الرياضي الدولي المهم ولكن أيضاً لأننا سنخسر الحالة التي نكون عليها كلما شارك المنتخب في بطولة كبري. هل ننكر أن شوارعنا أثناء البطولة الأفريقية وقبلها أثناء التصفيات المونديالية وقبلها أثناء البطولة القارية كانت أقل ازدحاما وأكثر انسيابية وأن سلوك الناس والمشغولين بالهم الكروي الكبير يكون أفضل حالاً لأن عقولهم مشغولة بالمباريات والنتائج والفرح بالانتصار أو الحزن للهزيمة؟ ألا توحد المشاركة المصرية الكروية في البطولات الافريقية المصريين جميعاً وتوجب عليهم عدم الاهتمام بصغار الأمور والتركيز علي توزيع الفرق في المجموعات وحساب النقاط والاهداف والفرص الضائعة وضربات الجزاء والكروت الصفراء أو الحمراء وتصريحات هذا المدرب أو ذاك وغضب هذا النجم من الغياب عن التشكيل أو الاستبعاد أو تغييره أثناء المباريات دون التفات الي أمور أخري نعانيها ويئن منها مجتمعنا كلها توجع القلب وتحرق الدم؟ ألا يفرح الناس في مصر كلما أحرز فريقنا هدفاً أو حقق انتصاراً وهم غالباً لا يفرحون لأسباب أخري؟ ألم ينشغل الناس بأسباب استبعاد ميدو وتوهج محمد ناجي (جدو) وحركات زيدان ومجهود عماد متعب وتألق أحمد حسن ونسوا لفترة التعليم وسنينه والثقافة وهمومها والأنفلونزا وخنازيرها والقطارات وحوادثها والطرق والشوارع والمحاور وسوء حالتها؟ أليس الحديث في الصحف ووسائل الإعلام الآن عن تشكيلة المنتحب وخطة اللعب والتمركز الكروي والفكر التدريبي وآراء حسن شحاتة وتوقعات حمادة صدقي يفوق بكثير الاهتمام بتصريحات المسئولين والوزراء التي تكون غالباً كلام والسلام؟. إذاً فالحالة الكروية التي تعيشها مصر والمصريون تغطي علي الأخطاء أو تجعلنا نتغاضي عنها أو لا نفكر فيها أو ننساها. وطالما أن الحديث عن السياسات الخاطئة أو الانحراف أو الفساد أو معاناة الناس أو غياب العدل في تطبيق القانون أو ارتفاع معدلات البطالة أو سوء حالة المرور أو انتشار التكاتك والميكروباصات وتدني حالة الاتوبيسات العامة والقطارات كلها أمور يتحدث عنها الإعلام وتنشر عنها الصحافة منذ سنوات دون أن يتغير فيها شيء، فإن الأفراح الكروية لا يجب اعتبارها تغييبا للعقول وإنما تعويض عن المعاناة و"الغُلب الأزلي" الذي ضرب حياة الناس دون انقطاع. وعلي ذلك فإن توطيد العلاقات مع الأخ عيسي حياتو رئيس الاتحاد الافريقي لكرة القدم (كاف) والأخ جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) صار أمراً لازماً وواجباً وضرورياً كي نضمن مشاركة مصر في كل بطولة كروية ليشغلنا المنتخب عن همومنا وهي كثيرة. عندها لن نكون كالنعامة التي تدفن رأسها في الرمال اعتقادا منها بأنها ستكون في أمان لأننا كثيراً ما تركنا رءوسنا فوق الرمال دون أن نشعر بأمان، وطويلاً بقينا نقاتل طواحين الهواء دون أن نتمكن من تحطيمها أو حتي وقفها، فليبحث كل منا إذاً عن مصلحته وعن مصدر للسعادة ويعيش فيها ويستمتع بها، بلا سياسة بلا غم، وطالما أن تشجيع المنتخب عمل وطني فلماذا لا نمارس الوطنية بالهتاف والتشجيع والاحضان والتنطيط والتهليل ثم بالألعاب البهلوانية وكرات النار الناتجة عن حرق علب المبيدات الحشرية وأخيراً التكالب والتهافت علي الحديث الي برامج الفضائيات التي تسهر للصبح وينام الناس بعدها يحلمون بالمباراة المقبلة والبطولة المقبلة.. المنتخب الوطني في مصلحتك.