أربع دقائق فقط، هي عمر الكابوس الذي طغي علي احتفالات مصر بعيد الميلاد المجيد، ليلة السابع من يناير الحالي، والذي راح ضحيته سبعة من المصريين الأبرياء، أحدهم جندي الحراسة القابع أمام مطرانية الأقباط الأرثوذكس بنجع حمادي، إلي جانب عشرة آخرين حملتهم سيارات الاسعاف إلي العديد من المستشفيات بعضهم كانت إصابته خطيرة. لن أخوض هنا في ذكر التفاصيل فقد تناولتها جميع وسائل الإعلام بصورة أو بأخري، فقط أطرح بعض التساؤلات التي تجول بداخلي كمواطن مصري. أولا: ما حدث ليلة السابع من يناير في نجع حمادي ليس بجديد، ولن يكون الأول أو الأخير في هذا المسلسل الهزلي، طالما يسوق السادة المسئولون عشرات المبررات منذ اللحظة الأولي لوقوع الحدث، دون الحاجة لتحمل عناء البحث عن الأسباب الرئيسية، والعمل علي حلها، حتي لا تتكرر مرة أخري. ثانيا: لو عدنا بالذاكرة لتاريخ هذا المسلسل البغيض، والذي بدأت أولي حلقاته عام 1972 بمدينة الخانكة، مع بداية حكم الرئيس الراحل أنور السادات، مرورا بالحدث الأكثر أهمية، المعروف بأحداث الزاوية الحمراء عام 1982، والذي راح ضحيته العديد من المسيحيين والمسلمين، ووقتها وقف السيد اللواء نبوي إسماعيل وزير الداخلية في ذلك الوقت ليعلن أمام الرأي العام أن الأحداث جاءت نتيجة مشاجرة عادية بين أسرتين تعيشان في منزل واحد نتيجة سقوط ماء الغسيل من شقة أحد المسيحيين علي غسيل أحد المسلمين، نافيا الأسباب الحقيقية لما حدث، وهو السيناريو الذي أصبح متكررا فيما بعد علي أي حدث مشابه، وبعدها بدت تلك الحوادث عادية متكررة تتصاعد أحيانا وتخفت أحيانا، وإن قلت في بداية عهد الرئيس حسني مبارك وحتي منتصف التسعينيات وذلك لانشغال البلاد بمكافحة الإرهاب وإن ظل الأقباط مستهدفين من جانب المتشددين سواء بالسرقات أو بالقتل، لكن حوادث العنف الطائفي أطلت من جديد بوجهها القبيح في قرية الكشح بمحافظة سوهاج في شهر أغسطس من العام 1998، والتي عرفت بأحداث الكشح الأولي، واندلعت علي خلفية قضية ثأر بين عائلة مسلمة وأخري قبطية، وبعدها بعامين ومع دخول الألفية الثالثة كان الكشح أيضا علي موعد مع الفتنة في أحداث الكشح الثانية علي خلفية نزاع بين تاجر مسلم وتاجر قبطي أسفر عن مقتل 22 شخصا بينهم 21 من الأقباط بالقرية، كما شهدت الأعوام الماضية عدة حوادث متفرقة بداية بوفاء قسطنطين، ومرورا بفتنة محرم بك علي خلفية مسرحية بعنوان "كنت أعمي والآن أصبحت مبصرا" وفي عام 2007 شهدت قرية بمها التابعة لمركز العياط بالجيزة أحداثا طائفية أسفرت عن حرق نحو 20 منزلا ومتجرا وإصابة عدة أشخاص من الطرفين بسبب اعتزام أقباط القرية تحويل أحد المنازل إلي كنيسة لاقامة الشعائر الدينية، وانتهي الأمر بجلسة صلح عرفية بين الطرفين، وفي أكتوبر من نفس العام اندلعت مصادمات أخري بين الأقباط والمسلمين في مركز سمالوط بالمنيا بسبب شائعة عن اعتزام دير قبطي شراء 5 أفدنة مجاورة له وضمها إلي مساحته، وأسفرت عن إصابة 12 شخصا، واعتقل علي خلفية تلك المصادمات 40 شخصا من الطرفين أفرج عنهم بعد جلسة صلح عرفية وفي ديسمبر عام 2007 وقعت مصادمات طائفية عنيفة في مدينة إسنا التابعة لمحافظة قنا بصعيد مصر استمرت 24 ساعة اثر مشاجرة بين تاجر قبطي وسيدة منقبة طالبها بالكشف عن نقابها لشكه أنها سرقت جهازًا محمولاً من محله، واعتقل علي اثر تلك المصادمات 25 شخصا من الطرفين، أفرجت عنهم النيابة بعد جلسة صلح عرفية، ويعد الحادث الطائفي الأبرز في الفترة الماضية هو حادث دير أبوفانا، في مايو 2008، حين هاجم عربان من البدو المسلمين دير أبوفانا بمحافظة المنيا بالأسلحة واختطفوا 3 رهبان، وقتل شاب مسلم بطلق ناري مجهول المصدر، بسبب النزاع علي وضع اليد علي أراض مملوكة للدولة، وكالعادة تم عقد جلسة صلح بين الطرفين برعاية السيد اللواء محافظ المنيا، ويستمر هذا المسلسل الكئيب يعرض حلقاته بين قري ومدن الصعيد، لاسيما في محافظتي المنيا وأسيوط علي خلفيات مختلفة ما بين علاقات تجمع شباب بشابات مختلفي الديانة، أو مشاجرات بسبب لعب أطفال في بعض الشوارع.. ألخ.. إلي أن وصلنا إلي فرشوط التابعة لمحافظة قنا، وبالتحديد في نوفمبر الماضي حيث اندلعت مصادمات طائفية بين المسيحيين والمسلمين علي خلفية اعتداء شاب قبطي علي طفلة مسلمة، لتشهد القرية مصادمات ويتم تحطيم نحو 20 متجرا مملوكاً لمسيحيين في 3 قري بالمحافظة. ثالثا: من خلال القراءة السابقة لمسلسل الأحداث نجد أن معظم الأسباب واحدة، وفي الغالب لا تروق لما وصلت إليه، لكن هناك من يحركها بعيدا عن مسارها، لتصل إلي ما وصلت إليه، وفي النهاية ضحايا أبرياء من هنا ومن هناك يدفعون ثمنا غاليا لسفه السفهاء، وتنتهي الحلقة بتصريحات تصدر عن بعض المسئولين تجافي الحقيقة، تعقبها جلسة صلح عرفية تبدأ بالأحضان المزيفة داخل صوان، يرفع فيها أطراف القضية بأيديهم متشابكة، وفي وسطهم يقف السيد المحافظ شامخا وعن يمينه السيد مدير الأمن، وعن يساره السادة أعضاء مجلسي الشعب والشوري، وتحيا مصر، وصور يا مصور، وانتهي الأمر!! رابعا: نحن نقدر القضاء المصري الشامخ، ودوره، لكنني أتساءل عن القانون الذي يتم من خلاله محاسبة من ارتكبوا جرائم قتل ضد أبرياء مع سبق الإصرار والترصد، وأمام الجميع، وبعد جلسات مطولة يكون الحكم هزيلاً لا يتناسب مطلقا مع الجريمة، وبالتالي يطمئن الجاني وهو يخطط لجريمة أخري، ولعل جريمة الكشح خير دليل علي ذلك أيضا لماذا لا تجري محاكمات عاجلة في مثل هذه الأحداث "كما حدث منذ أيام في حادث تصادم المعدية في رشيد، والتي صدر فيها حكم الإدانة خلال شهر تقريب"؟ هنا سيكون الحكم رادعًا للجميع. خامسا: السيد اللواء محافظ قنا بغض النظر عن كل ما صدر عن سيادته من تصريحات منذ اللحظة الأولي لوقع الحدث حتي يومنا هذا، إلا أنني أقف أمام تصريحات سيادته في الجلسة التي عقدتها الاثنين الماضي بعض لجان مجلس الشعب برئاسة الدكتور أحمد فتحي سرور. السيد المحافظ ذكر أن المتهم الأول في القضية "الكموني" ارتكب الجريمة متأثرا بما حدث للفتاة المسلمة في فرشوط "ونعم الأخلاق الصعيدية"، مؤكدا أن هذا المتهم سبق اعتقاله عدة مرات لارتكابه عشرات الجرائم المخلة بالشرف، وهو بلطجي ومسجل خطر "أيضا ونعم الأخلاق"، كما أكد سيادته أنه لا يوجد أي شخص وراء هذا العمل الإجرامي، في نفس الوقت أدلي المتهم الثالث في القضية بأقواله أمام النيابة وكلها تتعارض مع أقوال السيد المحافظ، حيث ذكر أنه خلال ارتكاب الجريمة وما بعدها كانت هناك اتصالات تليفونية ما بين المتهم وآخرين ينقلون له تطور الأحداث، كما كان هناك تليفون من شخص ما طلب من المتهمين الخروج من الزراعات وتسليم أنفسهم لقوات الأمن، والسؤال من هو هذا الشخص يا سيادة المحافظ؟ سادسا: أحب أن أشيد بأي مبادرة اتخذها البعض من أجل العمل علي تخفيف حالة الاحتقان بين الطرفين كتلك التي قام بها الحزب الوطني، ونقابة الصحفيين، والعديد من رجال الثقافة والفكر والإعلام، كذلك بعض الأحزاب والنقابات، لكن الأهم هو البحث عن الدواء الذي يمكن أن يقضي علي هذا الداء الخطير، ولنبدأ أولا بوسائل الإعلام وبخاصة ما تطلق علي نفسها "دينية" والتي تخاطب أخطر شريحة من شرائح المجتمع، وهم البسطاء الذين يتناولون من خلالها السم داخل أكواب العسل، وتكون النتيجة ما حدث، كذلك ضرورة تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني، وأخيرا تكرار نفس المطالب التي نتحدث عنها دائما، وهي العمل علي إصدار القانون الخاص ببناء دور العبادة، وتفعيل مبدأ المواطنة، ومحاولة إعادة قراءة تقرير الدكتور جمال العطيفي الذي أعده في أعقاب أحداث الخانكة 1972، ولم يلتفت إليه أحد. أخيرا: وعلي نفس مستوي الحدث، جاء حادث اغتيال المجند المصري أحمد شعبان، الذي كان يقف علي حراسة أحد أبراج الحراسة بالقرب من معبر رفح، علي يد أحد رجال حماس الذين يتشدقون أيضا بالدين، والأديان منهم براء وهكذا يتكرر المسلسل بشكل أو بآخر، ويدفع الأبرياء ثمنا باهظا لسفه السفهاء.