مشهدان يفصل بينهما حوالي نصف قرن، أحدهما كان في قصر عابدين في أعقاب ثورة يوليو 1952 والآخر في ولاية فلوريدا الأمريكية يناير 2010 . المشهد الأول حدث عام 1954 وهو المزاد التي اقامته دار سوثبي للمزادات لصالح الحكومة المصرية لبيع مجموعة مقتنيات القصور الملكية ، خاصة مجموعة الملك فاروق. ورغم ان أحداث المزاد ولت ومضت؛ إلا أن المرء يحس أن صداه و حبكته تتكرر في كل لحظة أمامنا ويترجم ثقافة إهمال نتعامل بها مع تراث وممتلكات رموز مصر سواء كانوا فنانين أو أدباء أو حكاماً. ومنذ أقل من أسبوع، باعت دار مزادات " هيرتاج" الأمريكية -المتخصصة في العملات واللوحات الفنية - عملة امريكية نادرة من فئة الخمس سنتات " نيكل" بمبلغ تجاوز ال3.7 مليون دولار، واعتمدت الدار في الترويج للعملة علي انها كانت مملوكة، يوماً ما، للملك فاروق.. رغم ارتباط المزادين باسم مصر، الا أن اللاعبين والمؤثرين بل والمنتفعين من ورائهما لم نجد من بينهم اسما لمصري؛ حتي ولو من وراء الستار. خمسة عقود بين المزادين، ولم ندرك، ولو لبرهة واحدة، أن التذكارات والمقتنيات التي ترتبط بالشعوب وحضارتها لابد أن يتم التعامل معها بأسلوب مختلف؛ أساسه الاحترام الشديد لقيمتها المادية قبل التاريخية. وبالأمس القريب جدا،ً بيعت مجوهرات أم كلثوم في مزاد بدبي، ومن بينها بروش ماسي، أهداه لها شاه إيران محمد رضا بهلوي وكذلك عقد من اللؤلؤ الطبيعي. وكانت المبالغ التي دفعت فيهما لاتتناسب مع تاريخ وهامة أسطورة الغناء الشرقي" أم كلثوم". لماذا لم نحافظ علي مقتنيات أسرة محمد علي في متاحفنا، بدلاً من أن نبادر ونبيعها بأيدينا بأبخس الأثمان؟ ولماذا لم تشتر الحكومة مجوهرات أم كلثوم وتضمها لمتحفها، الذي لاتسمن فيه مجموعة الفساتين التي ارتدتها في حفلاتها من جوع، رغم أهميتها. انه ليس اجتراراً للماضي والبكاء علي ما مضي، لكن دعوة للتعامل مع كنوزنا ورموزنا بصورة برجماتية بعيدة عن مشاعر اللحظة التي سرعان ما تتبدل.