علي مسئولية الحكومة: لهذا السبب خرج الجمل لابد أننا قد خدشنا إحساس السيد الوزير السابق يسري الجمل، حين وصفناه بأنه (أسوأ وزير تعليم)، ومن ثم فإن جانباً من اجتماع مجلس الوزراء الذي انعقد يوم الأربعاء (أول من أمس)، قد تناول الأمر.. وعليه خرج المتحدث باسم المجلس لكي ينصب نفسه وصيا علي الصحيفة.. منتقداً المانشيت الذي صدر عن الجريدة في صباح اليوم التالي لإعلان التغيير الوزاري وكان نصه: «خروج أسوأ وزير تعليم». ولابد أن المتابعين قد قرأوا تناولي لنفس الموضوع أول من أمس في مقالي بالصفحة الأخيرة قبل أن يتمطأ مجلس الوزراء ويناقش امتعاضه في نهاية اجتماع رسمي. وقد قلت تحت عنوان (بدر والجمل).. في عمود (ولكن) إن الوزير يسري الجمل كان دمث الخلق وشديد التهذيب.. غير أن هذا لايعني أن علينا أن نتغاضي عن تقييم أدائه في وزارة التعليم.. وقد أصدرنا حكمنا علي أساس معايير موضوعية. ولاشك أنني كنت أدري بما يدور بين السادة الوزراء، وخصوصا ما ذهب به يسري الجمل نفسه إلي رئيس الوزراء حين استقبله يوم الثلاثاء.. مطيبا خاطره.. ولكني لم أكن أعتقد أن الأمر بهذه الدرجة من الإلحاح لكي يطرح نفسه علي مجلس الوزراء.. ومن بعد يتقمص المتحدث مجدي راضي حالة شجاعة.. وينتقد «روزاليوسف».. وهو أمر ليس معتاداً منه.. بينما الحكومة تهاجم كل يوم في جميع أنواع الصحف.. ولا تنطق هي ولا تنبس ببنت شفة. وقد كان مثيراً أن الوزيرة فايزة أبوالنجا صاحبة ملف التعاون الدولي التي يكون من الأسهل أن تحدد موعدا مع رئيس وزرائها قبل أن تحدد موعداً معها فهي مشغولة في أمور لايمكن فهم كنهها أعانها الله عليها.. هي التي فتحت الموضوع.. وعبرت عن مشاعر (هوانمي) رقيقة.. وأعربت عن غضبها (الفظيع) من أن يكون مانشيت جريدة قومية هو (خروج أسوأ وزير تعليم في مصر). ومن بعدها علق الدكتور أحمد نظيف رئيس الوزراء.. وقال إنه أيضا قد تضايق من هذا العنوان.. وإنه كان يفضل أن يكون الانتقاد للأداء لا للشخص.. وقالت الوزيرة إن المشكلة هي كيف يمكن أن يعامل الوزراء بعد خروجهم من مهامهم وإنه لايجوز أن يتم تناولهم بهذه الطريقة بعد أن يتركوا المنصب. وكان أن خرج المتحدث، الوصي، لكي يقول كلاما لايجوز أن ننشغل به، فقد عبرت عن رفضي له في اتصال تليفوني مع الأمين العام لمجلس الوزراء الدكتور سامي سعد زغلول.. ومن بعده اتصل بي المتحدث.. وروي رواية أخري غير تلك التي وصلتني بينما أنا علي يقين من دقة ما وصلني من مؤتمره الصحفي. ليس مهما هنا أن نتوقف عند ما قال (الشجيع) مجدي راضي، وليس هناك داع علي الإطلاق أن أتناول أداءه.. فالمسألة أكبر.. وإن كنت أريد أن أقول إنني رددت علي المتحدث وقلت له: إذا كان المجلس غاضباً إلي هذا الحد.. فلماذا خرج يسري الجمل من تشكيلة الحكومة.. وأنا أوجه إليك سؤالاً رسمياً من صحفي.. فقال مجدي راضي في إجابة عرف مني أنها سوف تنقل عنه: كانت لدي الدكتور يسري الجمل خطة عظيمة لتطوير التعليم.. لكن إدارته كانت (soft) يقصد لينة أو ناعمة - ولأن الوزارة مترامية الوحدات - فإنها تحتاج في الوقت الحالي إلي إدارة (حاشمة) أو (حمشة).. هكذا قال بالحرف.. قاصداً أن تكون حاسمة ذات شكيمة. ومن ثم وتعقيبا علي كل الوقائع فإنني أريد أن أسجل عدداً من الملاحظات: - نحن لانكتب نصوصا مقدسة لا تقبل النقد. لكن هناك طرقاً متعارفاً عليها في التعبير عن رد الفعل ليس من بينها أن يخرج المتحدث ليوجه اللوم لصحيفة. - مجلس الوزراء عبر عن وجهة نظره فيما يخص يسري الجمل.. حين استقبله الدكتور نظيف يوم الثلاثاء وقد نشرنا الخبر بالصورة.. كما أنه عبر عن وجهة نظره حين قال في بيانه يوم الأربعاء إنه يعبر عن تقديره للدكتور يسري الجمل.. وبغض النظر عن أن هذا الكلام يندرج تحت بند المجاملات الاجتماعية.. فإنه غير مفهوم سياسياً.. وإلا لماذا تم تغيير الوزير السابق أصلاً. - لست أدري كيف يمكن أن تراعي الحكومة مشاعر وزير سابق.. ولا تنشغل بجيل من التلاميذ أساء إليهم أداؤه. أيهما هنا أولي بالرعاية يا سيادة الوزيرة الرقيقة فايزة أبوالنجا؟ - لم يقترب أحد من أخلاق الدكتور يسري الجمل.. والأدب الجم الذي يتميز به.. هذه نقرة وتلك أخري.. وليس هناك داعٍ لأن يذكرنا أحد بذلك.. وقد أشرت إليه في عمود (ولكن).. وقلت إنه شخصية دمثة.. ولكننا لم نتكلم في أدبه.. وإنما في سياسته.. وإدارته التي وصفها المتحدث بأنها كانت (ناعمة).. ونحن لانريد وزراء من نوع مناقض.. وأقل دماثة.. وإنما نريد في نفس الوقت وزراء يستوعبون حقيقة أنهم ممثلو دولة.. وأن عليهم ممارسة قدر من الضبط والربط.. وأن الأدب لا يعني الترهل.. فالبيروقراطية شرسة.. وإن لم يلجمها من يقودها فإنها تقوده.. حتي تدفع به خارج تشكيلة الحكومة.. وهو ما جري. - قلنا (أسوأ وزير).. وهذا كلام في السياسة.. وتعليق علي الإدارة ونوعها.. وبررنا حكمنا بأنه فشل في تطبيق كادر المعلمين فلم يؤت (ثماره) وتحول من نعمة إلي نقمة.. وأنه لم يدر أزمة أنفلونزا الخنازير بالطريقة الواجبة.. وأن الامتحانات تسربت في عهده.. وأن الدروس الخصوصية تضاعفت في زمنه.. وهناك عشرات من الأمور الأخري.. وحين نقول (أسوأ) فإن هذا ليس كلاماً شخصياً.. ولدي الحكومة عقل يميز. - في الديمقراطية وزمن حرية الصحافة وعصر المساءلة لنا الحق في أن نقيم أداء الوزير.. أي وزير.. وهو يعمل.. وحين يختتم عمله.. هذه طبيعة الأمور.. خصوصاً حين نتكلم في الأداء والرؤية.. نحن لم نقل له إنه يستخدم نظارة شمسية غير مناسبة.. ولم نقل له إن لون بدلته كان يضايقنا.. ولم نقل للوزيرة فايزة أبوالنجا إن الشال الذي تضعه علي كتفها دائما سبقته الموضة.. نحن نتكلم في الأداء.. والرقيقون يمتنعون. هذه هي طبيعة الحياة العامة.. ومن يقبل بها فإن عليه أن يتحمل متاعبها.. ومنها أن الصحافة تقيم ما يقوم به.. وتختلف درجات موضوعيتها.. وأستطيع أن أدعي أننا موضوعيون.. وإذا كان وزيرا سابقاً لم يتحمل هو والحكومة التي كان ينتمي لها أن يقال إنه (أسوأ وزير تعليم) كان الله في عون الرئيس الذي يتحمل صباح مساء قدراً هائلاً من التطاولات وليس الانتقادات.. ولم يخرج المتحدث باسمه لكي يوجه اللوم أو الانتقاد أو حتي العتاب لصحيفة من أي نوع. - من الواضح طبعًا أن هناك صداقات وعلاقات إنسانية.. وعتب علي المستوي الاجتماعي والشخصي بين الوزير وعدد من عناصر الحكومة.. لأنه خرج.. وإذا تفهمنا هذا فإنه لا ينبغي ترضية الوزير بالهجوم علي الصحافة.. ثم إنه لم نكن نحن الذين تركنا الوزير يتطعم في المدارس ويقابل ضيوفًا أجانب.. ولم نبلغه أنه صدر قرار بتغييره من خمس ساعات، هل تريد الحكومة أن تغطي سوأتها تلك بأن تلقي علي «روزاليوسف» عبء المانشيت الموضوعي؟ - بيننا وبين الحكومة حوار مستمر.. وسوف يستمر.. وهو حوار هدفه المصالح العامة.. وله أهداف بنائية.. وقد امتدحنا من قبل مميزاتها.. بغض النظر عن انتقادنا لعيوبها.. هذا ما لها علينا.. وذاك ما عليها أن تحتمله في ضوء مهمتنا كصحيفة قومية. [email protected] www.abkamal.net