كان الشارع المصري إلي عهد قريب يجري فيه بعض من أشباه بائعي الصحف الجائلين خاصة عند منتصف الليل أو ساعة العصر خلال ساعة خروج الموظفين وعودتهم إلي الديار المصرية والريفية خاصة في قاهرة المعز وما حولها، يصيح كل الباعة صياحاً موحداً وهم في سباق مع العربات والمشاة قائلين أو زاعقين اقرأ الحادثة وبعضهم قد يضيف كلمة من هنا أو جملة من هناك لإلقاء الضوء علي تلك الحادثة المزعومة!!، يصيح وهو يجري ويبيع وهو يجري وخلال دقائق تتحدث الناس عن الحادثة يتناقلون الحكاية في سرد مختلف ويتضح أن الموضوع برمته يدخل في زمام الترهات والخزعبلات وحكايات السقا الذي مات؟! ونحن شعب يريد الحياة علي تفاصيل أي حادثة حتي لو كانت تتعلق بسقوط مشبك غسيل من الدور الأرضي علي رأس قطة مجهولة الهوية تمر بالصدفة بين أقدام المارة، بل أسهم هؤلاء الباعة الجائلون للصحف في رفع معدلات التوزيع استناداً إلي رغبة القراء في معرفة الحادثة والمشاركة في التعليقات والتحليلات والانتقادات لكل تفصيلة وتفريعة حول الفعل والفاعل والمفعول به!، بل واسم الزمان والمكان ويتطرق الكلام نحو الصفة والموصوف وفي ردود أفعال الحكومة والنيابة والشرطة والشهود الزور وعدد المارة في الأسواق حتي تتضخم الأمور وتملأ الحادثة صفحات الجرائد وعقل المواطنين وتصبح مثل كرة الثلج التي تتدحرج علي الجليد كي تزيد حجماً وتنتفش وهي فارغة المضمون؟! هؤلاء الباعة الجائلون للصحف وصل بهم الوهم والخيال إلي حد أنهم صاروا من صانعي الأخبار والأحداث وهم أهل الصحافة والإعلام ولولاهم ما ترددت الأنباء بين الأمم، وانتهي بهم المقام إلي ترديد أغنية ذلك المغمور عند قوله لولا.. ولا كي ماقريت!! الغريب في الأمر أن هؤلاء الباعة الجائلين السريحة لتلك الصحف لهم من الزبائن عدد ليس بالقليل خاصة من بين رواد السينما الترسو في حفلات منتصف الليل بوسط المدينة وأنصاف المتعلمين والمتحذلقين، وأيضاً من ركاب الترام والتروللي والمترو قديماً قبل قيام معركة العبور والتي أعقبتها معركة السداح مداح؟! التف كثير منهم حول نوعية الإعلام المغشوش وتحولوا من كتبة الحوادث في أي تخشيبة إلي من يطلق عليهم معدي برامج ثم قفزوا إلي الديسك في بعض الصحف التي لها رخصة مستوردة ومنها إلي القنوات العليلة في كل مكان!! وتشكلت منهم كتائب الإعلام الحديث الذي نعاني منه ليل نهار. أكاد أشعر هذه الأيام الكالح لونها أن هؤلاء الإعلاميين وأصحاب الجرائد والصحف الصفراء ذات الأخبار العطنة والموضوعات السمجة يعملون تحت مسميات مغلوطة بل أني صادفت إحدي السيدات لا تجيد القراءة والكتابة تمكنت من استصدار بطاقة لكونها مندوبة إعلانات ثم تسللت إلي مندوبة أخبار للجريدة ومنها إلي نقابة الصحفيين بل منهم من يدعي أنه مراسل أو محلل أو خبير بل منهم من يدعي أنه مصدر مطلع كي يصل للمنتظرين لمعرفة الحادثة!! الكارثة أن كثيراً من هؤلاء الباعة الجائلين يتنقلون بين الورق وبين الشاشة، بين الصحف وبين القنوات، وبنفس النغمة القديمة يزعقون علي بضاعتهم الفاسدة بقولهم اقرأ الحادثة؟! بل ومنهم الذي يزيد قائلاً اقرأ الحادثة يا جدع؟! كما لو كان القارئ المزعوم يلعب معه لعبة نط الحبل في خرابات الوايلي قديماً؟!، بل دعونا نتخيل تلك البرامج الحوارية ومدي ما فيها من إثارة لعواطف الناس دون مبرر واستفزاز مشاعرهم وشحن توجهاتهم واستدرار دموعهم، وهي للعلم برامج متشابهة الشكل والمضمون، وربما يتفق أهلها معاً علي نفس التوقيت والشخوص والهدف وأسلوب اقرأ الحادثة. الغريب في الأمر أيضاً أن هؤلاء الباعة الجائلين في مجال الإعلام يتمتعون بقدر كبير من قلة الحياء فهم يعتقدون أن هذا الأسلوب سوف يرفع من معدلات التوزيع أو المشاهدة لتلك الصحف الصفراء أو البرامج الحمراء وقد ينخدع البعض قليلاً بما يفعلون وكلنا نذكر في الماضي القريب حادثة لاعبي الكرة في جنوب أفريقيا والحكاية كلها طلعت فشنك وكان بائع الخبر في حالة هياج مثل المصارعة الحرة زاعقاً واعداً متوعداً بأن لاعبي الكرة كانوا يلعبون الكرة في ملاعب مغلقة مع فريق من الجنس الآخر؟! بل نذكر أيضاً نفس المصدر وبنفس الحمق والحنق يتوعد كل من كان في ملعب الكرة أو حتي في محيط المدينة خلال مباراة مصر والجزائر، وكيف سارت الأمور من سيئ إلي أسوأ، ويصيح كل حين قائلاً صح يارجال كما لو كان الراحل فهد بلان ويرد عليه جوقة البرنامج أيوه صح. كذلك اقرأ الحادثة يا جدع عندما سقط أحد هؤلاء الباعة الجائلين في بئر قذرة مليئة بالعفن حين كتب خبراً وهمياً عن أحد الفنانين الكبار الذي يحترمه الجمهور المصري، والعربي من سنوات طوال وتلقفه الآخرون بالتعليق دون داع، وهل يدري هذا الكاتب المعتوه أن مصر مازالت كبيرة بما لديها من مئات العاملين في حقل الفن والإبداع والتمثيل وكل المهن اللازمة لذلك بما يكفي الوطن العربي ويفيض وبالمستوي الذي يرقي للعالمية لولا السحابات السوداء التي يثيرها بعض قصار النظر وثقيلي السمع من أهل العروبة التي فسدت بفعل فاعل؟! الخلاصة أن الإعلام بهذا الشكل أصبح لا يتضمن سوي الموضوعات ذات اللون والشكل والرائحة التي تنبعث من قمامة الموضوعات والأخبار وهذا عيب كبير في حق هذا الوطن، لو كان هذا هو حال الإعلام في مصر فسوف نعاني كثيراً من المشاكل في كل قطاع من قطاعات هذا المجتمع، فحينما تكون دفة الأمور معوجة وتكون البوصلة منحرفة يصبح خط السير مغلوطاً لا يؤدي إلي الهدف من هذه الحياة التي يتمناها الأسوياء.