التقي رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركي بالرئيس الأمريكي باراك أوباما في البيت الأبيض الأسبوع الماضي وسط ترقب من مراكز الفكر الأمريكية والتركية في وقت يكاد يجمع فيه المحللون السياسيون في واشنطن وتل أبيب علي وجه الخصوص علي أن أنقرة تغير دفة سياستها الخارجية باتجاه الشرق ودول الجوار الشرق أوسطية وتنأي بنفسها بعض الشيء عن الولاياتالمتحدة وحليفتها اسرائيل. فنظرة سريعة علي تحالفات تركيا مع بلدان الشرق الأوسط حاليا، يدرك تقاربها مع سوريا وإيران العدو الأكبر لأمريكا واسرائيل بالاضافة إلي دفاعها عن حركة حماس وعن السودان كما أنها تتحالف مع روسيا من خارج المنطقة وهي كلها دول وجهات خارج خانة "المرضي عنهم أمريكيا"، وهو ما يثير حفيظة بعض الدوائر البحثية الأمريكية وعلي رأسها معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدني المعروف بتوجهاته اليمينية. بعض التحليلات تصف السياسة التركية الجديدة التي يقودها أحمد داود أوغلو وزير الخارجية بأنها "العثمانية الجديدة" التي تعبر عن طموحات امبريالية أو رغبة في أن تصبح قوة اقليمية، الا أن الباحث سونر كاجابتاي يري أنها تظل في اطار العمق الاستراتيجي الذي تحاول فيه تركيا تحسين علاقاتها مع جيرانها ليس إلا. ويري كاجابتاي أن هذا التوجه التركي يتماشي مع ظاهرة تنامي القومية التركية المصبوغة بصبغة اسلامية والمعادية للغرب، والتي كانت أبرز ملامحها حتي الآن علي الصعيد الثقافي مثل مسلسل وادي الذئاب المعادي لأمريكا واسرائيل ومقتل قس كاثوليكي علي ساحل البحر الأسود عام 6002. ويقول في تقرير نشره المعهد مؤخرا ان السياسة التركية الحالية تعطي انطباعا بأن أنقرة يمكنها أن تتعامل مع الغرب ومع العالم الاسلامي علي قدم المساواة بعد أن كانت تركيا تعد في نظر مواطنيها جزءا من الغرب. لكن ما يعتبره الأمريكيون والاسرائيليون سياسة ابتعاد وتغيير تحالفات، يراه الأتراك فرصة لابراز القوة الناعمة لأنقرة التي ترفض الحلول العسكرية لمشكلات وصراعات الشرق الأوسط، بل علي العكس فالخبير التركي سيدات لاسينر بالمنظمة الدولية للأبحاث الاستراتيجية "يوساك" يشيد بسياسة الجوار التركية التي أدت لانعاش السياحة في بلاده وتزايد السياح الايرانيين والعرب والاسرائيليين أيضا بما يتيح لهم رؤية النموذج التركي والتأثر به ليس فقط من خلال زيارة تركيا بل أيضا من خلال مشاهدة المسلسلات التركية التي جعلت الكثيرين في الشرق الأوسط يتهافتون علي تعلم اللغة التركية لفهم هذه المسلسلات حتي باتت المسلسلات التركية هي الطاغية في المنطقة. هذه القوة الناعمة التركية كما يقول هي الوحيدة القادرة علي تغيير الشرق الأوسط نظرا لتاريخ العثمانيين في حكم المنطقة وارتباط العديد من الدول مثل مصر وسوريا والسعودية والأردن والجزائر والعراق بالدولة العثمانية وبالتالي فالأتراك هم الأكثر فهما لطبيعة هذه الشعوب من الأمريكيين أو الأوروبيين. والسؤال هو: هل يمكن بالفعل أن تقود تركيا هذا التغيير؟ يبدي لاسينر ثقته الكاملة في دور أنقرة في تحويل المنطقة للديمقراطية والليبرالية من دون اجبار أو فرض ما تريده علي الآخرين كما تفعل الامبراطوريات، وانما يؤمن بأن هذه السياسة لا تعبر عن توجه للعثمانية الجديدة كما يري البعض لأن ذلك غير ممكن لأنه اذا ثبتت صحة هذا التوجه، لانقلبت جميع هذه الدول علي تركيا بدلا من أن تتحد معها. وحتي تتضح امكانيات السياسة التركية الجديدة، تواصل مراكز الفكر الاسرائيلية مناقشة التحدي الذي تمثله أنقرة، حليف الأمس، لتل أبيب حيث يناقش معهد دراسات الأمن القومي غدا هذا الموضوع في جلسة ضمن فعاليات مؤتمر "التحديات الأمنية في القرن الحادي والعشرين" يتحدث فيها سوات كينيج أوغلو نائب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بحزب العدالة والتنمية التركي وداني أيالون وزير الدفاع الاسرائيلي السابق.