حوادث القطارات لا تزال مستمرة.. هذه هي خلاصة الأنباء التي طيرتها الصحف في الأيام الماضية، قد تكون حوادث محدودة، ولم تتمخض عن كوارث كبري، لكن الدلالة الأكيدة أن حوادث القطارات مستمرة، لم يحدث التغيير الوزاري الموعود، ولم يأت وزير نقل جديد حتي نسأله عن الموضوع، والرئيس الجديد لهيئة السكك الحديدية وعد بالكثير، ولكن لا يزال حال المرفق من سيئ لأسوأ. إلي متي نظل محكومين بمنطق رد الفعل، وثقافة الهوجة؟ منذ أيام التقيت بشخص يعلم بواطن الأمور في حالة هيئة السكك الحديدية، موقعه يمنعني من ذكر اسمه أو الإشارة إليه. لكن ما يهمني. وأظن أنه يهم القارئ، أن نعرف ما قاله لي الرجل أكد أن هيئة السكك الحديدية في وضع مزر، وسوف تستمر حوادث القطارات، وقد تزيد، والسبب يعود إلي أن إصلاح السكك الحديدية يحتاج إلي مبادرة شجاعة لم تتخذ بعد. كثيرون طالبوا باستقالة وزير النقل في أعقاب كارثة العياط، وفعلها محمد منصور بشجاعة، وفي تقديري أن الرجل آثر الصمت، لكنه فعل الكثير، أو علي الأقل حاول أن يفعل الكثير، بالطبع ما حدث في العياط كارثة بكل المقاييس، ولاسيما بعد أن قررت هيئة السكك الحديدية الضحك علي الجمهور ببث إعلانات متوالية تتحدث عن الإنجازات والتقدم، وتتهم المواطن بأنه يسيء إلي هذا المرفق الحيوي، ولكن كشفت شكاوي الجمهور أن أول من يسيء إلي هيئة السكك الحديدية هم القائمون عليها. قطارات الصعيد تتأخر بالساعات وضرب الإهمال القطارات المتجهة من القاهرة للإسكندرية، والعكس في صورة تأخير بالساعات عن مواعيد الإقلاع والوصول، فضلا عن تردي المستوي الداخلي للقطارات، الكل اشتكي، وكثيرون كتبوا ولكن كالعادة - لا يستيقظ المجتمع إلا عند حدوث الكارثة، وقد حدثت واستقال الوزير، وسبقه وزير آخر للنقل والمواصلات هو إبراهيم الدميري في أعقاب كارثة حريق قطار الصعيد عام 2002 م التي أودت بحياة ثلاثمائة وخمسة وسبعين مواطناً. محمد منصور هو كبش فداء، مثلما كان إبراهيم الدميري كبش فداء لتهدئة الرأي العام، ولكن القضية أعمق من هذا، في السنوات الماضية انفقت مليارات علي إصلاح هيئة السكك الحديدية، واستقدمت الهيئة جرارات من الولاياتالمتحدة، قيل بشأنها الكثير، وشكك كثيرون في كفاءتها، والآن نراها تتعطل في الطريق رغم مرور شهور علي استيرادها. القضية بصراحة أن المطلوب هو تشكيل لجنة انقاذ لهيئة السكك الحديدية، تأخذ وقتاً في دراسة المشكلات، وتعرف أسبابها، ثم تعرض تقريراً واضحاً علي الرأي العام يمكن بموجبه الحديث بموضوعية وجدية في هذا الملف، في كل مرة تأخذنا "ثقافة الهوجة" ورد الفعل السريع مما يعمي الابصار عن رؤية الحقائق بموضوعية، حقائق عارية بلا تزييف أو تجميل أو محاولة لالهاء رأي عام غاضب. وفي تقديري إذا تشكلت هذه اللجنة، وباشرت أعمالها سوف نري حقائق مذهلة، وقد نخلص إلي نتيجة أساسية أن الحكومة لم تعد وحدها قادرة علي انتشال هيئة السكك الحديدية من الحالة المتردية التي تقبع فيها، وأنه لا مفر من "خصصة جزئية" لها، ربما لهذا السبب لا أحد يتحدث أو يريد أن يتحدث.