"إن الصعوبة أن تبدأ من الصفر.."، ولكن كيف الحال لو كانت البداية من خلال تسديد دين عائلي بلغ 30 ألف جنيه.. هكذا بدأت حياة الشاب الطموح محمد سيد ياسين الذي أصر علي تسديد ديون "شرف".. أي ضمانات لأصدقاء تهربوا من دفع التزامات عليهم، وهو مبلغ باهظ بمقاييس السنوات الأولي للقرن العشرين. رغم ذلك استطاع محمد ياسين أن يبدأ مسيرته الاقتصادية بمشروع خدمي غير تقليدي لنقل الركاب، وبعد نجاح ملحوظ.. قررت الحكومة المصرية سحب رخص تيسير الأتوبيسات، ومنحها لشركة انجليزية، وكانت البداية الحقيقية من خلال 16 ألف جنيه حصل عليها كتعويض من القرار السابق، وهو المبلغ الذي مثل النواة الأولي لمصانع ياسين للزجاج. يقول تقرير صادر عن الحكومة المصرية في مطلع 1928 أن مصر تستورد من الخارج جميع ما تحتاج إليه من زجاج النوافذ والأبواب والمرايا والقناني وغير ذلك من أشياء مصنوعة من الزجاج أو البللور، وبالتالي.. لم يكن في مصر كلها مصنع واحد للزجاج.. وهو ما جعل محمد ياسين يذهب إلي المصانع الألمانية ليكتسب الخبرة والمعرفة عن قرب وهو ما جعله يبدأ بداية قوية.. حولته من مجرد اسم إلي رمز للنجاح والجودة من خلال ما تنتجه مصانعه. كان ما سبق مقتطفات مما تضمنه كتاب الصديق مصطفي بيومي الذي صدر مؤخرا ضمن سلسلة رواد الاستثمار الصادرة عن وحدة التطوير المؤسسي بوزارة الاستثمار تحت عنوان "محمد سيد ياسين.. عاشق النجاح"، والذي يعد بحق رائد صناعة الزجاج في مصر والشرق الأوسط، والذي استطاع خلال سنوات بسيطة أن يحول مصانعه لواحدة من أهم مرتكزات الصناعة الوطنية المصرية، وهو ما تراجع بعد أن قامت ثورة يوليو بتأميم مصانعه وعوضته بسندات لا تزيد قيمتها علي 15 ألف جنيه ولا يتجاوز عائدها الشهري 30 جنيها. وهو ما جعل محمد ياسين وأسرته في موقف لا يحسد عليه.. خاصة أنه قد استثمر كل ممتلكاته في مصانعه، ولم يكن يملك أي شيء آخر. أتفق مع ما ذكره مصطفي بيومي في "خلاصة التجربة" من أن المشكلة الحقيقية ليست في التأميم أو ملكية الدولة بشكل مطلق، ولكنها في غياب المعايير واختلال المقاييس وهيمنة القرارات الانفعالية غير المدروسة، وما ترتب علي ذلك من تراجع ملحوظ في التطور الاقتصادي المصري من خلال مناخ له دافع سياسي بعيد كل البعد عما هو اقتصادي. إن هذا الكتاب يمثل سيرة ذاتية لعاشق النجاح محمد سيد ياسين.. والذي يمثل نموذجاً فريداً لرجل الأعمال الوطني المصري الذي بني مجداً اقتصادياً كبيراً.. سرعان ما تهاوي بعد رحيل الرجل عن مصعنه الذي كان منارة صناعية لا مثيل لها. أعتقد في أهمية أن نخصص جوائز للشباب المصري المتميز باسم هؤلاء الرواد.. رواد الاستثمار.. لكي لا ننساهم ونتمثل بهم.