استضاف صالون الأربعاء بدار الكتب الروائي خيري شلبي في الندوة الأولي ضمن سلسلة الندوات الثقافية التي تحمل عنوان "شهادات روائية"، وتحدث القاص سعيد الكفراوي عن تجربة خيري شلبي الروائية قائلا: الجلوس بجوار خيري شلبي يطول قامة الإنسان، فنحن أبناء قرية ميراثنا واحد وتشغلنا نفس الهموم. وفي رواية "نسف الأدمغة" ذهب أحد الموسيقيين المشهورين إلي المقابر ليعزف عزفا منفردا علي إحدي المقابر، وكان في حالة تجلي وانسجام مع الكون، وعندما ذهب خيري ليسأله لماذا تعزف للمقبرة فقال: إن هذه مقبرة أمي التي ماتت منذ عشر سنوات، ولم أرها، وجئت أعزف لها لكي تغفر لي، ويقول الكفراوي هذا العازف هو خيري شلبي نفسه، الذي أمتعنا وأجاب عن الأسئلة التي تشغلنا. وأضاف: ربما كان خيري شلبي هو المبدع الوحيد بعد نجيب محفوظ الذي استطاع عبر إرادة ثقافية وتأمل لواقع الحياة في مصر وسعي دءوب أن يقدم في الرواية العربية عالما خاصا مكتفيا بذاته وينبع وحده عبر جدليات تتنافر وتقترب وتبتعد طارحة أسئلة علي الوجود المصري وتخرج لنا مكتملة وبهية وتثير في أرواحنا الشجن والدهشة، لأن خيري فيما كتبه اقترب كثيرا من أرواح الناس وعبر في رحلة شاقة حارات الحياة ودروبها وتأمل وتساءل كثيرا ، أهل الهامش والمنسحبين والشطار والمحزونين وفقراء المدن وأهل الخطوة من أهل القري قدمهم في عالم يكاد يكون أسطوريا وإحساس عميق بعظمة هؤلاء الناس ولكنه يؤمن في قرارة نفسه أن هذا الوطن يستطيع النهوض من كبوته. ثم تحدث خيري شلبي عن المنابع التي استقي منها موهبة الحكي وحصرها في نشأته الريفية ووالده الذي كان شاعرا من ظرفاء العصر، لافتا وكان يندس بين النسوة العجائز عندما يتذكرن أيامهن الخوالي ومرافقته لعمال التراحيل ولاحظ التناقض الكبير بين اللغة المنطوقة والمكتوبة، مما دفعه للبحث عن لغة مستوفية شروط الكتابة ومنطوقة في نفس الوقت، وقد تتلمذت علي أربعة مدارس أسلوبية لها رصيد في اللغة وصنعوا تصالح مع العامية وهم: المازني ويحيي حقي وعبد الرحمن الشرقاوي ويوسف إدريس، وتأثرت بأسلوب هذه المدرسة تأثرا كبيرا. وعالجت رواية "الأيام" لطه حسين إذاعيا، وعندما رفض كتابة السيناريو بالعامية كنت أقرأ الحلقات أمام طه حسين بالفصحي وفي الاستديو يستخدم الممثلون العامية، حيث كان الحوار ينطق باللهجتين ويكون صحيحا، وفرحت بالتجربة لأني اكتشفت اللغة التي يجب أن أكتب بها، وهي لغة الشارع المصري التي تقبل التدوين والإعراب كما استفدت من زخم العامية التي هي فصحي ولكننا ننطقها نطقا محرفا. وكشف شلبي أنه يميل إلي الحكي أكثر من السرد، لأن السرد لغويا يعني النثر وتداخل الدوائر والحلقات بعضها في بعض، وأحيانا يفسر بمعني الثقب، أما الحكي فمفتوح ويتضمن السرد أيضا والحكي أشبه بمن يمتلك قطعة أرض فسيحة يزرع فيها ما يشاء، ويستطيع أن يحكمها بسياج أيضا، أما السرد فأشبه بمن يزرع قطعة واحدة من الأرض بنوع واحد من النبات، كما أن الحكي أشبه بالمسام داخل الجسد يفرز من خلالها العمل الفني عرقه المسموم "الشخصيات الشريرة والمنحلة"، تضفي عليهم من سحر الفن، لذلك الشرير في السينما هو البطل المحبوب، ولا أحب من القارئ أن يندمج في العمل، حتي لا يعطي نتيجة عكسية مثلما يقول بريخت، وأحب "الرواية الصوتية" التي فيها أصوات متعددة وكل شخصية تحكي بلسانها وقاموسها عما يخصها في التجربة وتأثرت بهيمنجواي وفوكنر رائدي الرواية الصوتية في القرن العشرين وطوروها من عمل لآخر ويكتبون بمصداقية في الحكي. وهناك بعض الروايات كتبتها أربعين مرة مثل "الأوباش" لكي أتخلص من الأسلوب الشعري الكامن فيها، لأني كنت منتقلا من الشاعر إلي الروائي ورواية "السنيورة" استغرقت تسع سنوات حيث فيها خمس قصص كتبت موزونة. وأكمل: مصر تركيبة طبقية شئنا أم أبينا، وأنا ككاتب أشعر بمسئوليتي تجاه الشعور الطبقي المتضخم لأنه فيه مقتل مصر، فالصراع الطبقي عاد بصورة مروعة ومطلوب مقاومته بكل أشكال الكتابة والفن قبل أن يستفحل خطره ويصبح هناك أربعة أمصار وليس مصر واحدة.