لم تكن هذه الطائرة ملك رئيس الوزراء كما أنها لم تكن مخصصة له أو تخص أحداً من أصدقائه أو رجال الأعمال الذين يملكون طائرات خاصة وهم كثيرون والحمد لله، لكن الطائرة كانت من أملاك مصر المحروسة وتحديداً ملك "شركة مصر للطيران" والطائرة من طراز 320 AirBus الرحلة رقم 294 إقلاع من مطار شرم الشيخ يوم الاثنين رابع أيام العيد الساعة 18.30 المتجهة إلي مطار القاهرة ومقاعد الطائرة كلها من الدرجة السياحية وكان الدكتور نظيف علي متن هذه الطائرة هو وبعض أفراد أسرته عائدين من شرم الشيخ إلي القاهرة وقد تمت الرحلة ووصلت الطائرة أرض المطار بسلامة الله. أمر عادي وبسيط أن يسافر رئيس الوزراء هو وأفراد أسرته أو أصدقاؤه سواء إلي شرم الشيخ أو أي بلد آخر لقضاء إجازة طالت أو قصرت شأنه شأن كل الناس لكن اللافت للنظر أن رئيس الوزراء فاجأ المسافرين علي متن الطائرة بحضوره وبعض أفراد أسرته وأحد حراسه فقط.. كل ذلك ببساطة ولم يشعر أحد بقدومه كما لم يشعر أي من المسافرين أن أمراً غير عادي علي الطائرة أو أن شخصاً مسئولاً في الطريق أو أن ترتيبات غير طبيعية يجري إعدادها لقدوم مسئول كبير لأنه في لمحة واحدة كان رئيس الوزراء ومرافقوه وأحد حراسه علي متن الطائرة قبل مغادرتها بلحظات جلس رئيس الوزراء في المقاعد الأمامية وجلس بعض مرافقيه في المقاعد الخلفية ولم يعلن طاقم الطائرة أو قائدها عن وجود مسئول أو عن ترحيب أو حفاوة أو كرم ضيافة لافت للنظر!! كان يمكن للدكتور نظيف رئيس الوزراء ببساطة ويسر أن يطلب لنفسه ترتيبات أو حفاوة خاصة أو أن يقبل دعوة شخصية علي طائرة خاصة يستقلها هو وأسرته وأصدقائه مهما كان عددهم، يحدث ذلك عادة من بعض رجال الأعمال الذين يملكون طائرة أو أكثر وعددهم ليس بقليل والحمد لله كما كان يسع أحد منهم أن يستأجر له طائرة للقيام برحلة خاصة ذهاباً وانتظاراً وعودة بل ومنهم من يتسابقون في تقديم هذه الدعوة ويقولون له هذا كرم وتواضع لقبول الدعوة وأقل ما يجب!! كان يمكن أن يحدث كل ذلك ببساطة وبغير طلب من رئيس الوزراء كما كان يمكن لشركة مصر للطيران ذاتها أو بناء علي أوامر وزير الطيران المحترم الفريق أحمد شفيق أن يصدر تعليماته علي الفور بإجراء ترتيبات خاصة لرئيس الوزراء عند سفره أو قدومه ليستقبله الطاقم علي الطائرة بالتهليل والترحاب حتي يشعر رئيس الوزراء بالارتياح والسعادة وربما الزهو بعظمة السلطة والسلطان لكن شيئاً من ذلك لم يحدث وجرت المسائل عادية شأن أي مواطن بسيط يصطحب أسرته لقضاء إجازته في أي مكان علي أرض الكنانة علي اتساعها وجمالها. لكن هذا أو ذاك لم يحدث.. كيف ولماذا؟! ثم ما أثر ذلك الذي حدث علي ركاب الطائرة وعلي الناس والرأي العام؟! نعم لم يحدث هذا أو ذاك لسبب بسيط ومهم في ذات الوقت أن رئيس الوزراء نفسه لم يطلب وربما لم يقبل إما انحيازاً للتواضع والبساطة أو البعد عن المنظرة والاستعلاء وعن استغلال السلطة كذلك لم يفعل ذلك وزير الطيران ولا رئيس الشركة لأن الوزير أحمد شفيق رسخ قواعد المواطنة والمساواة وتكافؤ الفرص في صفوف خدمات الطيران أرضاً وجواً وواجه ذلك بشجاعة وضراوة منذ توليه الوزارة ونذكر ذلك في مواجهة عادات قاعات كبار الزوار والخدمات والوساطة الأرضية المجانية وأصبح الكل متساوين في الحقوق والواجبات وكان ذلك ضد مصالح الكبار بدءاً من Parking السيارات والخدمات المميزة فصارت القاعدة واحدة علي الجميع مثالاً للحزم والانضباط لهذا نجح نجاحا غير مسبوق ضرب الأمثال والقدوة. ثم كان من أثر ذلك أن ساد في نفوس الناس أرتياح وسرور وتقدير عظيم من المسافرين علي متن الطائرة ولسوف يحكون ما جري ومنهم المصريون أو غيرهم ترسيخاً لقدوة وعظة واحتراماً وتقديراً وكأنهم سفراء لبلدهم يعبرون عن هذه السلوكيات والقيم التي نفتقدها عندما نشاهد البعض من الوزراء أو المحافظين أو غيرهم وهو أمر يثير الدهشة ويتطلب التفسير وإذا كان ذلك الذي حدث من رئيس الوزراء فما سر هذه المواكب التي نراها يومياً منتشرة في كل مكان بالحراسات وأسطول السيارات الفاخرة تحيط بالمسئولين في كل مكان وبشكل مبالغ فيه وبذخ يثير الانتباه والدهشة والاستنكار والاستنفار بين أبناء هذا البلد الأمين. أكتب هذا شاهداً علي ما رأيت ولا تربطني أية صلة شخصية أو علاقة خاصة برئيس الوزراء ولا حتي معرفة في مجال العمل العام أو العمل الرسمي وكما لا أكتب هذا مدحاً في شخصه أو تعظيماً لقدره وتواضعه إذ ربما يكون ذلك مسلكاً عادياً كصفة من صفاته الشخصية أو غير ذلك أو أن يكون ذلك صدفة أو مضطراً لكني أكتب عن ذلك تعظيماً للقيمة والسلوك والتواضع والبساطة والفصل بين الخاص والعام والبعد عن مظنة استغلال النفوذ والسلطة وعدم الزهو بها واعتبارها تكليفاً لا تشريفاً وتكديراً للتملق والنفاق والتطوع من البعض لتوصيل المزايا والخدمات زلفي ولأغراض شخصية في نفس يعقوب ولأؤكد أن مثل هذه القيم والسلوكيات عندما تتحقق علي أرض الواقع فإن الناس تحتفي بها تعظيماً وتقديراً وبالطبع ينعكس ذلك علي صاحبها ثقة واحتراماً فهل نعظم هذه القيم والسلوكيات بين صفوفنا ونرسخها بين أبنائنا وبين أصحاب النفوذ والجاه أظن وأثق والإعلان عنها واجب ومسئولية.