كنت أفضل تأجيل الكتابة عن الأخطاء الفادحة، التي وقعت فيها أطراف مصرية قبل وأثناء الأزمة مع الجزائر، علي أساس أن الأزمة مستمرة ولم تنته بعد وأن حق المصريين الذين تعرضوا للاعتداء من جانب مشجعي المنتخب الجزائري في الخرطوم لم يصلهم بعد، كما أن حقوق الشركات المصرية في الجزائر التي تعرضت للتخريب والنهب وكذلك حقوق المصريين الذين روعوا هناك لم تصلهم بعد. تقول الحكمة: "إن لكل حادث حديث" وأن الحدث الذي يفترض أن المصريين تجمعوا حوله يتعلق بالكرامة المصرية التي تعرضت للإساءة من جانب أطراف جزائرية أيا كانت، وأن أبسط قواعد "الكياسة" و"اللباقة" و"اللياقة" تفرض علينا جميعاً كمصريين الاتفاق علي أن إساءة وقعت، ويكون نقاشنا حول كيفية ردها أو تجاوزها. لكننا بدأنا بجلد الذات ثم تقطيعها وتجاوزنا سريعاً مسألة "الحقوق" التي يبدو أننا لن نحصل عليها، أما الاعتذار الذي ينتظره بعضنا من الجزائر فسوف ينالونه في أحلامهم. أطالع علي مدار اليوم المواقع الإلكترونية للصحف الجزائرية رغم طباعي البعيدة تماما عن الغم والنكد وحرق الدم، كما أنني "أحب الناس الرايقة اللي بتضحك علي طول" علي رأي أيمن بهجت قمر في أغنية أحمد عدوية ورامي عياش الجديدة، لكن بحكم عملي أجد نفسي مضطراً لحرق الدم بقراءة الصحف الجزائرية وما بها من أكاذيب وادعاءات وشتائم واقتناص ل"بلاوي" المجتمع المصري وتوجيهها إلي سياقات غير التي وقعت فيها، واصطياد لمقالات وتحليلات وآراء بعض المصريين حول أوضاعنا أو سلوك بعض المسئولين أو أخطاء السياسات التي يتبعها بعضهم وإعادة نشرها بعد تلوينها لتصب في النهاية في اتجاه الإساءة لمصر والمصريين.. كل المصريين. يري زملاء المهنة في الجزائر أنهم يؤدون واجبهم، ويعملون لصالح الموقف الجزائري في الأزمة التي مازالت تتفاعل، في المقابل يزداد الدم احتراقاً بما نفعله نحن في أنفسنا، إذ فجرت الأزمة أزمات أخري كل أطرافها مصريون غلّّبوا المصالح الخاصة علي المصلحة العامة، ووجدوا في أجواء الأزمة فرصاً لتصفية حساباتهم مع بعضهم بعضاً، فزدنا الإساءة إلي أنفسنا ونشرنا كل غسيلنا "الملطخ" أمام الجميع. هكذا أظهرنا أسوأ ما فينا، وقدمنا عبر صحف وشاشات للإخوة في الجزائر وقوداً ليزيدوا به حرقنا. من الواجب محاسبة "العبقري" الذي رشح السودان ولم يختر دولة إفريقية الأمن فيها أولوية، والحصول علي تأشيرة دخولها كما الحصول علي لبن العصافير، علماً بأن وجود هذا العدد من الجمهور الجزائري المشحون ضد مصر والمصريين كفيل بتهديد الأمن في أي بلد حتي غير السودان، كما أنه من الضروري محاسبة الذين تسببوا في غياب جمهور الكرة المصري الحقيقي عن المباراة، وهؤلاء الذين أرسلوا نجوم المجتمع الذين جهزوا أنفسهم للاحتفال بالوصول إلي المونديال ورتبوا للظهور أمام العدسات وخلف الميكروفونات والهتاف بحب مصر، فوجدوا أنفسهم في أتون ظروف لم يتعودوا عليها وواجهوا ما لم يكن يتوقعونه، أما اللجوء إلي أعذار من نوعية "لم نكن نعلم" سواء بالنسبة إلي الوضع في السودان أو طبيعة الجمهور الجزائري الذي سبقنا إلي الخرطوم وسلوكياته فإنه عذر أقبح من الذنب، ودليل علي تقصير وجهل في أمور لا مجال فيها للتقصير أو الجهلة. نعم لابد من معرفة أسباب عدم التعامل بجدية مع المعلومات عن ترتيبات الجمهور الجزائري "للاحتفاء" بالمشجعين المصريين ولماذا جري التغافل عن إجراء الاتصالات بالاتحاد الدولي لكرة القدم والسلطات السودانية قبل المباراة لتفادي وقوع مكروه للفريق والجمهور المصري، لكن لأن كل ذلك لم يحدث (ويبدو أنه لن يحدث) حتي ولو بعيداً عن الإعلام فإننا انقلبنا علي أنفسنا و"هات يا تقطيع". غير بعضنا مواقفه 180 درجة دون أن يدري أنه كان يقف علي الجانب الآخر قبل أن ينتقل إلي هذا الجانب أو ذاك. وطال نجوم الكرة الذين تحولوا إلي إعلاميين سيوف النقد وهم الذين كانوا محل إشادة من الجميع حين كانوا "يفتون" في السياسة ويطلقون عبارات التجريح وسط إشادات أو تغافل من يشاهدونهم، حتي هؤلاء الذين بكوا عبر هواتفهم النقالة وسمعنا نحيبهم أصبحوا الآن "مبالغين" وسبباً في الأزمة وليسوا ضحاياها. اختلط الحابل بالنابل وصار الجميع يتخبط في كل اتجاه واعتذرت مصر عن تنظيم البطولة الإفريقية لكرة اليد؛ لأن الفريق الجزائري مشارك فيها، وكأننا فرضنا العزلة علي أنفسنا وأصبحنا نخشي أي مواجهة مع أي جزائري!! علماً بأن الفريق المصري قد يواجه نظيره الجزائري ولكن في المغرب التي انتقلت إليها البطولة. أما الخبر الذي يلخص المهزلة ونشر أمس الأول فيتعلق بالجهود الحثيثة التي يبذلها المجلس القومي للرياضة بالتعاون مع الاتحاد المصري لكرة القدم للترتيب لمؤتمر صحفي عالمي تُعلن فيه حقائق ما جري في الخرطوم.. "هما لسه فاكرين؟"