تعودت أن أراقب البشر الذين تتيح لي ظروف الحياة أن التقي بهم... ويكون علي أن اتعامل معهم... وأنا بطبعي إنسانة منفتحة علي الآخرين... وغالبًا ما تكون مشاعري المبدئية - أي قبل أن أخالطهم وأدخل معهم في تجربة حياتية حقيقية - مشاعر ودودة محبة ولكنها تكون في الوقت نفسه أحاسيس مترقبة منتظرة لرد فعل الآخرين من خلال كلماتهم وتصرفاتهم... والأهم مشاعرهم... ولهذا فإنني في بداية اقترابي من أي إنسان - أو محاولة اقترابي - أراقب هذا الإنسان لأبحث في داخله علي الإنسان الحقيقي الصادق... ولا اكتفي بالوجه الخارجي والصورة النهائية التي يحرص كل منا علي أن يقدم بها نفسه إلي الآخرين... والتي أحيانًا قد لا تكون حقيقية بل مزيفة أو زائفة... فكثير من البشر يجيدون تغيير الأقنعة ويظهرون غير ما يبطنون... وقد يطرحون أنفسهم علي غيرهم في صورة مثالية وكأنهم ملائكة تسير علي الأرض... ويبدون لك الود والرغبة في الدعم والمساندة... ويدعونك لمزيد من الاقتراب الإنساني وكأنهم يرددون ستجد ما يسرك... ولكنك قد تفاجئ بهم يحملون خناجر خلف ظهورهم يحاولون أن يطعنوا به آخر وهم يحتضنونه! أقول هذا وأنا أحاول أن أعبر عن تقدير خاص أحمله داخلي لرئيس جامعتي العالم الإنسان د. حسام كامل... تقدير خشيت دائمًا أن أكتب عنه حتي لا أتهم بأنني أجامل أو... فقبل أن يصبح رئيسًا للجامعة كان يتولي عبء نائب رئيس أعرق جامعة عربية للدراسات العليا والبحوث... جامعة تسعي وتستحق أن تكون جامعة متميزة... خاصة بعد أن انتشرت في السنوات الأخيرة التصنيفات العالمية التي يتم ترتيب جامعات العالم علي أساسها مثل تصنيف شنغهاي والتصنيف الإنجليزي... والتصنيف الإسباني وغيرها... والتي تواجه جامعاتنا وخاصة جامعة القاهرة عقب الإعلان السنوي عن كل تصنيف بهجوم ظالم، وبالذات في حال غيابها في الترتيب بين أفضل جامعات العالم، أو حصولها علي ترتيب متقدم... وراقبته للمرة الأولي وهو يعرض لكل من هذه التصنيفات والمعايير والمؤشرات التي ترتب علي أساسها جامعات العالم... ويطرح وضع جامعتنا في ضوء هذه المعايير والمؤشرات... وأثار إعجابي، فإلي جانب دقته كعالم والمعلومات الوفيرة التي قدمها فهو يملك أسلوبا يجذبك إليه في عرضه... وهو قادر علي أن يشدك إليه بلا ملل... رغم أنه في الأساس طبيب وجراح في تخصص مهم (الأورام وبالذات سرطان الدم). وقد كانت مناسبة هذا الحديث، فكرة جميلة رائعة قرر أن ينفذها وهو نائب لرئيس الجامعة حينذاك د. علي عبدالرحمن.. وهي تكريم الباحثين من دارسي الماجستير والدكتوراه بالكليات المختلفة باختيار أحسن رسالة ماجستير وأحسن رسالة دكتوراه كل عام.. لتكريم هؤلاء الباحثين الشبان... وهو تقليد كنا نسمع عنه في جامعات الدول المتقدمة كانجلترا أو فرنسا أو ألمانيا... ولكنه لم يبدأ تنفيذه في جامعة القاهرة إلا منذ ثلاث سنوات فقط وبمبادرة من د. حسام كامل... وفي ذلك اليوم.. وكنت ما زلت في عامي الأول كعميدة للكلية حرصت أنا وعدد من زملائي الأساتذة أن نشارك شابتين من الباحثات الشابات بكليتي هذه اللحظة الرائعة... وكنا متحمسين وسعداء حقا - وأنا دائمًا ما اتمتع بهذه المناسبات كلحظات نادرة للتحقق والسعادة وانتهي الاحتفال ومضي اليوم. غير إنني فوجئت في اليوم التالي بمكالمة تليفونية من د. حسام كامل - نائب رئيس الجامعة وقتها - يشكرني أنا وزملائي وزميلاتي علي هذه المشاركة في هذه الاحتفالية... وانتابني إحساسًا حقيقيا بإنني أمام إنسان مختلف... يستطيع أن يتفهم الصدق ويحسه... ويتأثر به... ولديه القدرة علي التقاط مشاهد ليس من السهل أن تصل لكثيرين. وبعد عام أصبح د. حسام كامل رئيسًا لجامعة القاهرة واستمرت حالة الترقب داخلي.. فهو رئيسي في العمل وهو بالمناسبة رئيس حاسم وحازم... لا يتهاون مع أي خطأ... ولا يجامل في الحق... متابع جيد جدًا لكل صغيرة وكبيرة في جامعة كبيرة تضم آلاف الطلاب وهيئة تدريس ضخمة.. وأكثر من 20 كلية ومعهد عال داخل حرم الجامعة وخارجها. وحدث خلال العامين الماضيين موقفان مهمان أدركت مدي إنسانية د. حسام كامل ذلك الجراح الحاسم كالسيف ولكن أيضا رقيق الأحاسيس والمشاعر وهي حالة نفتقدها كثيرا، فأما أن يكون رئيسك في العمل حازمًا وحادًا ولا يقبل بأي ضعف بشري ولا يتسامح مطلقا مع أي ظروف تتعلق بمرءوسيه.. وهذا النموذج غالبا ما يكون بيروقراطيا يتعامل مع الآخرين كمجرد أرقام وحالات ليس لها ملامح أو مشاعر.. أو أن يكون عاطفيا رقيقا علي درجة عالية من الإنسانية مما يجعله غير قادر علي اتخاذ بعض القرارات الحاسمة أو الإجراءات التي قد يترتب عليها أحيانا - بل غالبا - بعض الضرر للآخرين - عن حق أو عن غير حق. أعود للدكتور حسام كامل لأقول إنه استطاع أن يجمع بين الحسنيين، القيادة الحازمة والإنسانية العالية الموقف الأول، يتعلق بالأساتذة، فقد جري العرف مع انتهاء خدمة الأستاذ وإحالته للتعاقد أن يدخل في صراع قانوني مكان المحاكم مع جامعته حول المقابل النقدي لرصيد اجازاته طيلة مدة خدمته بالجامعة.. ويقع الأستاذ بين شقي الرحي.. جامعته التي أفني بها زهرة شبابه والتي تقف في مواجهته في المحكمة حتي لا يحصل علي هذا المقابل النقدي، ومحامين محترفين في هذا النوع من القضايا - مثلهم مثل محامي التعويضات - حيث يساومون الأستاذ المسكين علي حقه باشتراط حصولهم علي نسبة من هذا المقابل النقدي بين 15 و 20% ويستمر الخلاف في المحاكم لفترة قد تطول أو تقصر.. وجاء د. حسام كامل معبرا عن رفض أن يكون الأستاذ الذي ينتمي لجامعة القاهرة في هذا الوضع المخزي.. بعد سنوات وسنوات اعطاها لجامعته وتلامذته.. وقرر تسهيل هذه المهمة وتبسيط إجراءاتها، وحل هذا الوضع دون أن يضطر أي أستاذ إلي رفع قضية أو الوقوف أمام جامعته - حتي ولو كان صاحب حق - في المحكمة. أما الموقف الثاني فيتعلق بالطلاب.. فقد أبي د. حسام كامل أن يضع أي ابن من طلاب الجامعة في موقف لا يحسد عليه عندما تكون ظروفه العائلية والاجتماعية صعبة أو يحتاج إلي دعم جامعته.. حيث كان الأمر يحتاج أن يتقدم الطلاب إلي إدارات رعاية الشباب بكلياتهم بطلبات يتحدثون فيها عن ظروفهم الصعبة وحاجتهم إلي الدعم، فتقوم هذه الإدارات من خلال اخصائي رعاية الشباب بما يسمي ببحث اجتماعي لهذا الطالب.. ورفض د. حسام ذلك مؤكدا أن الجامعة لديها أساليب أخري أكثر إنسانية ورقيا يمكن من خلالها أن تكتشف بنفسها هذه الحالات لتقدم لها كل الدعم والمساندة دون أن تضطر هي إلي المطالبة بذلك.. الأمر الذي تم فعلا. ومنذ أسابيع قليلة واصل د. حسام كامل جهوده الدءوبة للاقتراب من هؤلاء البشر الذين شاءت الاقدار أن يكون قائدا لهم ورئيسا لتلك الجامعة التي ينتمون إليها.. فمنذ بداية العام وهو يقوم بزيارات لكليات الجامعة المختلفة لقاءات بعيدة عن الأضواء.. لا كاميرات تليفزيونية.. ولا صحفيين.. حديث صريح من القلب وصل إلي قلوبنا جميعا، وهذا هو الأحساس الذي نقله لي زملائي الذين شاركوا في اللقاء الذي دار بيننا في كلية الإعلام وبين رئيس الجامعة معبرين عن شعور صادق وحقيقي دون مجاملة.. وفي لقائه الأخير تحدث إلي مستقبل الجامعة.. أعني المعيدين والمدرسين المساعدين. جلسنا في قاعة الاحتفالات الكبري بجامعة القاهرة.. وبدأ رئيس الجامعة يتحدث عن الخطة الاستراتيجية لجامعتنا 2010 - 2015م وعن أهم ملامحها المتمثلة في اقامة فرع دولي للجامعة بمدينة 6 أكتوبر، تبدأ بكليات لديها شراكات واتفاقات مع جامعات أجنبية وتمنح درجة علمية مشتركة وهي إدارة أعمال التمريض، الهندسة، الحقوق، الفنادق.. تحدث إليهم عبر برامج الجامعة لدعمهم وتحفيزهم حيث أصبحت الجامعة تتحمل - ولأول مرة - نفقات سفرهم للمشاركة في مؤتمرات علمية بالخارج وعن اعتماد بلغ 17 مليون جنيه هذا العام لمساعدتهم في تحضير رسائلهم للماجستير والدكتوراة من خلال تمويل المواد المتاحة اللازمة لذلك. تحدث إليهم عن مشروع الإسكان أعضاء هيئة التدريس الأولوية فيه للمعيدين والمدرسين المساعدين. واستمع إليهم بهدوء وصبر - حسدته عليهما - لم يقاطع أيا منهم رغم اطالات واضحة وتكرار لكثير من الأفكار أو القضايا أبدي تفهما واضحا لبعض ما اشتكوا منه وترحيبا بالاستجابة لما طالبوا به. لقاء استمر أكثر من ثلاث ساعات، رغم أنني كنت أعتقد أنه لن يزيد علي ساعة ونصف الساعة.. حديث أكد لي مرة أخري كم هو رائع حقا أن يكون رئيس جامعتك عالما إنسانا!