لا عن تعصب أو شيفونية، نقول: إن مصر كانت ولاتزال، وستظل صاحبة الزعامة الطبيعية في الأمة العربية، بحكم عشرات العوامل والمبررات، نقول هذا الكلام، الذي يحتاج منا إلي بيان، أو طول في الاثبات، وإنما هي الحقيقة والواقع: بالموقع، وبالبشر سكناً وسكاناً، عدداً، كماً وكيفاً، مرارة وكفاءة، ثقافة وعلماً، فناً وأدباً، تاريخاً وحضارة، بل ولديها خير أجناد الأرض، الذين خاضوا أربع حروب من أجل حماية الأمة العربية من استهدافات الاستعمار والصهيونية. وهم الأجناد الأكثر عدداً وعتاداً، قوة وصلابة وهم - ولا يزالون، وإلي الأبد سيظلون - حراس الحدود العريقة من كل الأطماع: غربية كانت أو فارسية أو صهيونية. ومصر صاحبة الزعامة الطبيعية في الأمة العربية، لأنها بحكم الجغرافيا والتاريخ عربية، وإن امتدت بحدودها للفراعنة، فهي بالأب عربية، هي بالماضي فرعونية، وعربية بالحاضر، نعم هي تطل بفرعونيتها للماضي، ولكنها بعروبتها تطل للمستقبل، ومن ثم استحقت وبحق أن تكون قطب العمل العربي، والمسئولة عن حماية العروبة، وحامية حمي العروبة والحريصة علي ثوابت القومية العربية ثقافة، وسياسة، واجتماعاً، وحدة وتوحدًا بين الأقطار العربية، مهما كانت الخلافات والاختلافات، فكل هذا يبقي خلافاً واختلافاً بين الأشقاء، والمحصلة مواجهة أعداء العروبة، ودعاة الإقليمية البغيضة، التي تعد من أهم أسباب كل النكسات والكوارث التي واجهتها وتواجهها الأمة العربية. نقول هذا في سياق تلك الأحداث التي وقعت مرتبطة بمباراة في كرة القدم بين منتخبين شعبيين عربيين شقيقين، بينهما تاريخ مشرف من النضال والكفاح ضد الاستعمار من أجل التحرير واسترداد الأرض والعرض والشرف العربي، فكما هو معروف، من مصر انطلقت حركة النضال، وعلي أرضها عاش رواده وقادته، وبحماية من مصر تم الحفاظ علي أرواح الخمسة العظام قادة حركة النضال الجزائري وفي القلب منهم أحمد بن بلا. ومن منطلق عروبة الجزائر واعترافها بدور مصر في تحريرها، كان لزعيمها بومدين الدور العظيم في حرب الاستنزاف وأكتوبر العظيم 1973، عندما قدم شيكاً علي بياض للسوفييت لارسال السلاح اللازم لمصر، بعد امتناع السوفييت عن ارساله لصعوبة الموقف الاقتصادي المصري وقتها، كما كان للجيش الجزائري تواجده علي جبهة القتال، ضمن قوافل الجيوش العربية الأخري. واستمرت العلاقات المصرية الجزائرية، وازدادت وثوقاً بفعل تبادل الخبرات والاستثمارات، ويعترف الشعب الجزائري بكل هذا، وبدور مصر الثقافي الرائد في تعريب الجزائر بفضل المعلمين والمثقفين المصريين، والدور العظيم للفن المصري في هذا المجال. هذه حقائق التاريخ والحاضر، القريب منه والبعيد. ولكن حدث ما حدث بسبب مباراة كرة قدم بين الشقيقتين مصر والجزائر، وتصاعدت هذه الأحداث كما هو معروف وملموس، وهي أحداث شكلت ولا تزال تشكل إهانة لشعب مصر والتاريخ النضالي بين الشعبين الشقيقين. ولقد قيل ويقال كلام كثير عن هذه الأحداث وتفسيرها وأبعادها وخطورتها علي العلاقة بين البلدين، بل علي مفهوم العروبة والقومية العربية، وحول هذه الأحداث وتداعياتها نسجل بعض الملاحظات التي قد يكون فيها ما يفيد في تجاوز هذه الأزمة وتجنب ما قد تحمله من تداعيات ليست في صالح البلدين، ولا في صالح الأمة العربية جمعاء.. من هذه الملاحظات: 1- إن هذه الأحداث وتصاعدها، وتهديد حياة المصريين في الجزائر وفي السودان أثناء وبعد المباراة، لا يمكن تفسيره إلا من خلال مفهوم نظرية المؤامرة شارك فيها عن عمد - بعض الجهات والمسئولين الكبار في الجزائر، لتصفية حسابات فيما بينهم، ولا يمكن تجاهل ما هو داخل الجزائر من صراعات بين السياسيين والعسكريين والجماعات الإسلامية، جبهة الإنقاذ. كما لا يمكن تجاهل دور بعض الجزائرين في تعاملهم مع يهود فرنسا، ومع الصهاينة، خاصة بعد ما كشفت الأحداث عن وجود علاقة بين بعض الصحف الجزائرية وبين الصحف الصهيونية. وفي المقابل لا يمكن تجاهل دور وسائل الإعلام المصرية وفضائيات الفساد والإفساد وتصفية الحسابات فيما بينهم، ودخول هذا المجال الإعلامي بعض من لا يفقهون أبجدياته. كما لا يمكن اغفال دور فشل المسئولين لدينا عن الرياضة والإعلام، بل وعلي المستوي الدبلوماسي. 2- إنه في ظل هذه المؤامرة قبل وبعد المباراة في مصر، وتلك المباراة الفاصلة في السودان تم تجنيد العناصر الإجرامية في الجزائر، التي مهما بلغ عددها وحجمها لا يمكن بحال من الأحوال أن تعبر عن الشعب الجزائري، فإنهم في النهاية لا يتجاوزون الأربعين ألفا من تعداد الجزائر الذي يبلغ أكثر من 35 مليوناً من السكان. ومعظم هؤلاء المجرمين من بيئات وفئات متدنية اجتماعياً وثقافياً، بل يمكن أن يكون من بينهم الاتجاهات الدينية المتطرفة، بل لا يمكنم استبعاد دور الإعلام في تلك الدويلة الفسيفساء المسماة بقطر وقناعتها ذات التوجهات الدينية والفارسية والصهيونية، التي تتعدد اتجاهاتها لتعدد اتجاهات هذه الدويلة وفقاً لغبائها وأنها بالإمكان - وللخجل أن يكون لها دورها في مواجهة الكبيرة مصر. 3- إنه وفي إطار هذه الأحداث، لا يمكن تجاهل ذلك الموقف الرائع للرئيس مبارك في خطابه التاريخي أمام مجلسي الشعب والشوري، حيث قال في ترفع وسمو، وبما يناسب زعامته ورئاسته لأكبر دولة عربية، إن كرامة المصريين من كرامة مصر، وإن رعاية مواطنيها في الخارج مسئولية الدولة من حيث مراعاة حقوقهم وعدم المساس بهم، أو التطاول عليهم، أو امتهان كرامتهم وعلي المستوي الشخصي كنت علي ثقة من أن الرئيس لن ينساق وراء الانفعالات والهتافات، ممن يريدون الدخول في المزايدات ، وحصد المكاسب والظهور بالمظهر الأكثر وطنية لحسابات في معظمها انتخابية. لقد جاءت كلمات الرئيس حاسمة وصريحة، وتحمل الكثير من المعاني في مواجهة هذه الأحداث الإجرامية، وفي الوقت نفسه الحفاظ علي المصالح الوطنية والعربية العليا.