استضافت قاعة التاون هاوس بوسط القاهرة، وبالتعاون مع مؤسسة بروهلفتسيا السويسرية، في إطار مشروع الفنان المقيم، معرضا بعنوان أين أنت؟، شارك فيه أربعة عشر فنانا مصريا وعربيا وأجنبيا وجهوا هذا السؤال من خلال أعمالهم الفنية. توجه الفنانون بالسؤال لمشاهدي المعرض، وكأنهم يقولون له: نقدم لك كمتلق إجابة أين أنت من العالم؟ أين أنت مما يحيط بك؟ أين أنا من رأيي وفلسفتي؟، وقدموا لنا أمثلة فنية متنوعة لأشكال الإجابة المنتظرة، التي جاءت محاطة باللون الأبيض كلون محايد لتأكيد اللامركزية واللامكان واللا زمان، فالهدف هو التركيز علي الفكرة فقط. واصل الفنان هيثم نوار في المعرض تجربته في تقنية تجهيز الفيديو في الفراغ، واختار عنصر مستخدمي المواصلات العامة، كعنصر مهم يعكس ثقافة أي بلد، من خلال عرضه لمقطوعتين فيديو متقابلتين، وبينهما دكة بيضاء خشبية، كلاهما يصوره في الطريق من منطقة غنية إلي أخري فقيرة، نري من خلالهما شرائح المجتمع المختلفة، وكيف تتعامل وندرك شكل النظام، يحاول هيثم استعراض أنه لا فرق بين الناس في الشرق وفي الغرب، ولكن بالتأكيد هناك اختلاف ثقافي ولكنه في الأساس، بسبب فرق الإمكانيات، فهناك فرق شاسع بين كلا الحافلتين، من حيث التطور، وبالتالي اختلاف الشعب في التعامل مع حاجتهم، ففي مصر الشعب لا يشعر بالانتماء، فلا يحافظون علي المال العام ولا يشعر أنه يملكه، بينما في الغرب الوضع مختلف فالغربي يشعر بالانتماء وبملكيته، فيحافظ عليها لأنه مستمتع بالخدمات المقدمة إليه التي تشعره بإنسانيته، فليس لديه أي مشاعر غضب ليظهرها في الإهمال والتلوث البصري. وواصل هاني راشد أيضا بحثه عن فهم الآخر الذي لا يقدم له جملة مفيدة أو سياسة واضحة، فكلهم بالنسبة له سواء، ليسوا سوي ملامح ضبابية غير واضحة المعالم، لا تعبر عن أي شيء، فاستخدم من مجلاتهم وصورهم مجموعة من الأشخاص وطمس وجوههم جميعا باللون الأبيض، وقدم ذلك في متوالية من اللوحات المربعة المساحة إلي حد ما، وكأنها شاشات تليفزيونية كالتي نراها في غرفة الأخبار، وكأنه يشهد عليهم، بل ويطالبهم بالاعتراف لأنهم تحت الملاحظة من خلال هذه الشاشات. أما الفنانة السويسرية مايا جوسبرتي، فاستغلت اللقطات البانورامية للقاهرة، تعرض من خلالها مدي تقارب العمارات والبيوت، وكأنها متراصة كالمكعبات ومتلاصقة لا مجال لحركة الهواء، فهي تبحث في قضية اجتماعية مهمة، وهي إحساس الإنسان بالخصوصية الذي لو انعدم لديه تحول إلي إنسان غير سوي، في نفس الوقت هناك مساحات غير مستغلة يجب أخذها في الاعتبار. الفنان اللبناني باسكال هاشم الذي ينطق بلسان حال العرب عامة واللبنانيين خاصة فيقول أنه لم يعد هناك مكان أو مجال ممكن أن نعبر فيه عن أنفسنا وطوال الوقت نسمع ولا نستطيع التكلم، فقدم عمله كفن أدائي performance حيث وضع مجموعة متفرقة من المناضد الصغيرة وعليها كراسة يجلس علي كل واحدة ويكتب كلاما ثم يمحوه مرة أخري، ويترك آثار هذا المحو كدلالة علي الفعل الإنساني غير المكتمل، وهكذا مع كل كراسة، كما استخدم بوقين ملتصقين من ناحية مكان الكلام، وترك البوق متوجه إلينا لنسمع فقط!! العلم هو علامة أي دولة لها سيادتها الدولية، استخدمه اللبنانيان زياد بيطار ونائلة دباجي حيث اختلقا علما وهميا لاتحاد غرب آسيا، ألوانه من الألوان المستخدمة تاريخيا في إعلام الشرق الأوسط وبدأوا يضعونه في أكثر من موقع ممكن أن يكون موقع مظاهرات، ممكن أن يكون في موقع احتفال أو كرنفال ما، وهكذا فتعددت مفاهيمه الثقافية المختلفة باختلاف استعماله وتواجده في الأماكن ذات الأحداث المختلفة الذي مع الوقت تختفي ملامحه وسط الحشود المكتظة. دانييلا كايزر السويسرية من حديقة الأزهر تلتقط صورة لفتاة تلعب لعبة استغماية وتغطي عينيها، هذه الصورة أعطتها لمجموعة من الكتاب ذوي الخلفيات والتوجهات الثقافية المختلفة ليكتب كل منهم نصا يتخيله من خلال الصورة عن هذه الفتاة لتعرض هذه النصوص مع الصورة علي منضدة طويلة مستطيلة يحيطها أكبر عدد من الكراسي لتقول من خلالها أنه من الممكن أن يكون للمشاهد العديد من القصص والخيالات فأين أنت؟!! علاقة جدلية مميزة ما بين الصورة كدلالة مفاهيمية والنصوص المستوحاة منها وفي النهاية محتمل حقيقتها وغير مستبعدة. نماذج من الإجابات البصرية المقدمة والمحاولات لفهم الواقع المعاصر وما يدور فيه باللغة العالمية، لغة البصر التي لايختلف عليها اثنان ولاتحتاج لمجهود في إدراكها.