الكتابة متعة قبل أن تكون مهنة. الكتابة فن قبل أن تكون همًا. الكتابة مسئولية قبل أن تكون مهارة في صياغة الكلمات ورص الجمل. لكن للأسف.. ليس كل ما يكتب ينطبق عليه ذلك، أو يلتزم بذلك، فهناك من يعتبر الكتابة مجرد مهنة يتكسب منها عيشه، هي مجرد وظيفة.. إنه يكتب لكي يأكل ويعيش فقط لا غير.. لا يهم ماذا يكتب المهم كم سيقبض! وهناك من يعتبرون الكتابة هما ثقيلا.. يكتبون بصعوبة شديدة، ويستغرقون وقتا طويلا في كتابة بضعة سطور قليلة.. ولذلك لا تحمل هذه السطور أي شيء مفيد بل ربما تحمل المعني ونقيضه، والفكرة والفكرة المضادة، والرأي وعكسه. وهناك أيضا من تعاملوا مع الحروف بدون مسئولية.. يكتبون ما لا يؤمنون به.. وينثرون الأكاذيب بين السطور.. يصنعون كلمات زاهية وجملاً منمقة، لكنها لا تقول إلا كل ما هو كذب وزيف ورياء.. إنهم أشبه بالحواة الذين يتحايلون علي المتفرجين.. ولكنهم حواة كلمات يتحايلون علي القراءة ويخدعونهم ويضللونهم. لذلك.. لا يهم أن يكتب الواحد من هؤلاء أو هؤلاء مؤيدا لفكرة أو عمل شخصي ثم يكتب غدا معارضا أو منتقدا لهذه الفكرة أو هذا العمل أو هذا الشخص!.. ولا يهم أن يصف الحال اليوم بالوردي والرائع، ثم يصفه غدا في مقال جديد بأنه سيئ وأسوأ من قرن الخروب!. هؤلاء الكتابة عندهم وسيلة فقط للحصول علي المغانم، سواء كانت هذه المغانم أموالا أو مناصب أو مكاسب عينية أو حتي خدمات.. ولذلك لا يعتبر هؤلاء النفاق خطأ، ولا الابتزاز خطيئة، ولا السب والقذف جريمة.. بل علي العكس تماما إنهم يرون أن النفاق والابتزاز والسب والقذف هي أدوات ضرورية للحصول علي أكبر قدر من المغانم والمكاسب والمنافع. لذلك قتل هؤلاء ضمائرهم حتي لا تؤنبهم علي ما يرتكبونه مع جرائم بشعة في حق أنفسهم قبل أن تكون في حق من ينافقونهم أو يبتزونهم أو يسبونهم.. فكل شيء مشروع لدي هؤلاء فهم يقيسون المشروعية بقدر الأموال التي تجلبها لهم كتاباتهم أو حجم المكاسب والمنافع التي يحصلون عليها مقابل ما يكتبون أو بالأصح ما يرصونه من كلمات وجمل، وما يقومون بإراقته من حبر علي الورق. هؤلاء الذين لا يصلح أن نسميهم كتابا وإنما هم كتبة بالأجر، لا يشعرون بأي متعة فيما يكتبونه.. فالكتابة هي نوع من الخلق والإبداع، ولا يمكن اعتبار النفاق أو الابتزاز أو السب خلقا أو إبداعا. وهؤلاء يفتقدون الفن في كتاباتهم حتي وإن اجتهدوا في رص الجمل والكلمات واستخدام الكناية والتشبيه وحتي السجع وكل المحسنات اللغوية.. فالكتابة التي تخلو من الروح تنتج مادة صماء تضل طريقها إلي القلب وتخاصم العقل. وهؤلاء أيضا لا يعترفون بأي مسئولية فيما يكتبون، لأن المسئولية سوف تلزمهم بالصدق والبعد عن الرياء واستخدام الكلمات النظيفة.. إنهم يفتقدون دائما الإحساس بالمسئولية. وربما ينجح هؤلاء في خداع بعض القراء بعض الوقت، ولكنهم لا يستطيعون أن يخدعوا كل القراء كل الوقت هؤلاء بما يكتبون يعرون أنفسهم ويكشفون عورات نفوسهم ويفضحون جرائمهم علي الورق. مهما تخفوا في ثنايا السطور فإنهم مضطرون يوما ما أن يظهروا سوءاتهم ويكشفوا حقيقتهم للقراء. هؤلاء الحواة الذين يستخدمون الكلمات ينتظرهم دائما بئس المصير.. لن يحترمهم أحد حتي الذين نافقوهم.. بل سوف يفضحونهم قبل أن يفضحهم من ابتزوهم.