الشكل ولا الروح ؟ مين السبب في الحب؟! الرجل يعجب بالفتاة ذات(الشكل) والقوام الجميل ويتزوجها فيجدها بلا روح وباردة كالثلج.وتعجب الفتاة بالفتي الوسيم وتتزوجه فتجده أكثر أنوثة منها. في كل مرة ألقيت فيها محاضرات عن فن كتابة السيناريو. كانت الرغبة الأولي وربما الأخيرة عند من يطلبون معرفة هذا الفن هو الحصول علي أي سيناريو ليتعرفوا علي (شكل) تقسيم الصفحة وأين يكتب وصف الحركة وأين يكتب رقم المشهد وتحديد وقته ومكان تصويره إذا كان داخل استوديو أو خارجه. يظنون أن السر كله يكمن في (شكل) تقسيم الصفحة.أما الإلمام بروح الدراما الذي لا بد أن يسبق كتابة السيناريو والمسرحية أو حتي كتابة الرواية والقصيدة. فيرونه مضيعة للوقت كأنه يعطلهم عن أن يصبحوا كتابا!. يسمعون عن أهمية الصراع الداخلي في أي عمل أدبي أو فني, فينظرون بدهشة. فالبطل لا بد أن يكون شريفا يصارع خصما شريرا. فكيف يبدو نبيلا في أعين الجمهور إذا صارع نفسه وكيف يكون شكله والمفترض أن يلقي عليهم الخطب الرنانة والشعارات الرائعة التي تدعو لتغيير العالم ؟! فالبطل في نظرهم له مثل هذا(الشكل) أو هذه السمات وإلا فلا. في كل مرة أخرجت فيها بعض مسرحياتي للهواة أو الممثلين الشبان كنت أسألهم من البداية هل يحبون فن التمثيل؟ أم أن يشير الناس إليهم باعتبارهم ممثلين؟.كان السؤال يدهشهم فهم لا يفرقون بين الأمرين. يظنون أنهم بمجرد أن يقفوا علي خشبة المسرح فقد حصلوا علي(لقب) ممثل وهو كل المراد من رب العباد!. ويقابل المخرج فتي أو فتاة يتميز شكله أوشكلها بالوسامة فيظن أنه عثر علي" جان" و " فيديت " لعمله القادم وذلك قبل أن يهتم بروح هذا الفتي أو الفتاة ومدي تقبل الجمهور لهم أو مدي فهمهم لمهنة التمثيل. الكثير من طلبة الطب يحلمون بشكل البالطو الأبيض قبل كل شيء وشكل العيادة المزدحمة بالمرضي قبل أن يدخل عليهم متأخرا عدة ساعات.ودارس القانون يفكر في شكل روب المحاماة. والضابط بالبدلة الرسمية وشكله بالنجوم علي كتفيه. وما أن يفكر أحدهم في الغناء حتي يبحث عن " نيو لوك" يجعله مختلفا عن الناس العاديين شبيها بالمغنيين. البنطلون المنزلق إلي أسفل وتصفيف شعره والإكسسوارات التي تتدلي من رقبته أو من معصمه. ثم يدرب نفسه علي ترقيق صوته كالفتيات لتعده الفتيات مطربا عاطفيا ويلقين أنفسهن تحت قدميه. بينما الفتاة التي تفكر في الغناء تبدأ في اختيار ملابس تكشف عن مواهبها الجسدية وتساعدها علي الرقص وهي تغني. والنتيجة يقول الناس (شفت شكل فلانه وهي بتغني؟. تجنن). ودارس الدين يحلم بلبس العمة والجبة والقفطان ليأخذ شكل رجل الدين ويحلم بالميكروفون الذي سيصرخ فيه في الناس يدعوهم للإيمان وكأنهم من الملحدين. ويحلم بهم وهم يقبلون يده يدعونه بسيدنا أو بمولانا ولما لا وقد أدخلهم في الدين؟! مش لا بس عمة؟! والجماعات الدينية تعلم الفتي من أول سطر أن يطلق لحيته ويلبس الجلباب القصير ويجتهد ليحصل علي أكبر زبيبة في جبهته. وهكذا يصبح الفتي من الأتقياء يعطي لنفسه الحق أن يهدي الجميع أو يقتلهم إذا لم يسمعوا أوامره. وتفعل الفتاة نفس الشيء بمجرد أن ترتدي الحجاب ثم ترتقي لو لبست النقاب لتصبح من أطهر نساء الأرض!. المسئول يأخذ شكل رجال الحكم فيلتزم بالبدلة الكاملة ورابطة العنق, وابتسامة مصطنعة ويحفظ التصريحات الوردية والشعارات الضخمة والإنجازات التي سيحققها قبل أن يفكر في أي مشروع وقبل كل هذا في ديكور المكتب الذي سيغيره وطاقم السكرتارية الذي سيعينه عندما يتولي المسئولية. أي شكل " البرستيج" بتاع سيادته. فإذا لم يفز بالمنصب يأخذ شكل المعارض الشرس والمناضل لا يشق له غبار. فيرسم تكشيرة مصطنعة ويهاجم كل المسئولين مؤكداً بصوت غاضب أن الحالة زفت والانهيار حادث والفوضي قادمة إذا لم يعملوا بنصائحه ويتركوا له المسئولية.داعيا إلي الديموقراطية و العدالة والشفافية الخ وهو عين ما يدعي المسئول أنه يحققه! البعض يرشح نفسه في الأندية والنقابات و المجالس المحلية والنيابية وهو يعلم علم اليقين أنه ساقط لكنه يدخل الانتخابات ليحصل علي لقب المرشح ! يريد أن يري صورته علي الحوائط واسمه مكتوبا بالبنط العريض ويلتقي بالناس ويعدهم بشتي الوعود وفي النهاية يصدق نفسه ويعجب بها ولا يهم كثيراً أن يسقط إذ يمكنه أن يتحجج بشتي الحجج. من أهم أسباب كل ذلك أن الطالب لا يهتم بالتعليم أساسا ولكنه يحلم بشكل شهادة تخرجه التي تكفي ليعرف الجميع أنه تعلم ولكي يصدق هو أنه تعلم فعلا. وهكذا دائما (الشكل) هو ما نسعي إليه. نظن أن الشكل يكفي ويعني أننا وصلنا إلي الهدف المطلوب. أما روح العدل وروح الدين وروح الفن وروح العلم والعمل . فالقليل من يلتفت إليه وبالتالي من يؤمن به. كانت بعض فرق الموسيقي في شارع محمد علي تضع وسط الفرقة بعض الناس وتلبسهم زي الفرقة وتضع في أياديهم الآلات الموسيقية ليتظاهروا بالعزف حتي يبدو شكل الفرقة مهيباً عملا بأن الكثرة تغلب الشجاعة.وكانوا يعرفون بأنهم (لا بسين مزيكا) فإذا نظرت إلي مجتمعنا الآن تكتشف أن الغالبية من كل الفئات ومن كل المهن لابسين مزيكا.يسيرون في الزفة ولا يعزفون شيئا. فإذا مر الأمر ولم ينتبه الناس إلي الخدعة صدقوا أنفسهم وراحوا يعزفون نشازا وضجيجا مزعجا. ثم راح كل منهم يكون لنفسه فرقته الخاصة وكلهم مثله من لابسي المزيكا!.