عرفتُ في مكالمة تليفونية من شِبه صديق أن المرأة في المستشفي. تغير صوتي في الحديث، ورددتُ اسم المرأة، فصدَّق شِبه الصديق علي الاسم ببرود. أعدتُ اسم المرأة ثنائياً، فقال شِبه الصديق الذي قد لا يعرف اسم أبيها، وكانت تتحرك في حياتها العامة والخاصة باسم مفرد، شيئاً لا يحتمل اللبس، فقلتُ: هي بالفعل. شعرتُ في الحال أن تغيير نبرة صوتي كان مفتعلاً، وكأنني أقف في طابور لشراء سلعة، وزاحمني فجأةً شخص يريد أخذ مكاني. هل هو شِبه صديق للمرأة أيضاً؟ لكنه جاء علي ذكر واقعة لا يعرفها سوي أصدقاء قريبين، وكأنه يسخر مني، ومن ترديد اسمها ثنائياً. أليستْ المرأة في النهاية شخصية مشهورة، والواقعة التي جاء علي ذكرها، من الممكن تفسير معرفته بها تحت بند فضول أشباه الأصدقاء، لا سيما وأن الواقعة أخذتْ طابعاً فضائحياً، جاهدتْ المرأة كثيراً كي لا تصل الواقعة للصحف والمجلات، ولكنْ ماذا عن الصحف والمجلات التي تتصيد فضائح المشاهير؟ ارتبكْتُ في حديثي عندما وجدتُ أن ما أعرفه عن الواقعة الفضائحية لا يتعدَّي معرفة ما صرَّح به شِبه الصديق، ليؤكد لي أن اسم المرأة الثنائي مُطابق للمرأة المعروفة في حياتها العامة والخاصة باسم مفرد، وهي نفسها التي ترقد الآن في المستشفي. قلتُ بعزاء في نفسي: إنني لا أملك فضول أشباه الأصدقاء، ولهذا فإن المحصلة النهائية من جانبي، في معرفة بعض الوقائع التي تخص المرأة تساوي المحصلة النهائية لنفس الوقائع عند شِبه صديق للمرأة. في صباح اليوم التالي، ارتديتُ ملابسي، عازماً علي الذهاب إلي المستشفي. وفي الطريق فكَّرتُ في هدية أدخلُ بها عليها. وقفتُ أمام محل للحلويات الشرقية والغربية. علبة شيكولاه ماكينتوش، بطعم ماء الورد. اكتشفتُ أنني لا أعرف سبب دخول المرأة إلي المستشفي منذ أسبوعين. وقفتُ صامتاً أمام الباب الحديدي الكبير. خرج ضابط الأمن من كوخه الخشبي، وأعلمني بأن موعد الزيارة الصباحي بعد ساعة من الآن. كانت الساعة الآن السادسة صباحاً. فكَّرتُ أن ضابط الأمن سيقدِّر سبب زيارة مُبكِّرة، وفي وقت غير مُناسِب، لصلة الزائر بالمرأة، وهي صلة استثنائية تجعل الزائر غافلاً عن لياقات الزيارة، وفكَّرتُ أيضاً بخجل وإحباط، أن حُجَّة ضابط الأمن في تهافت الزائر وغرابته تتلخص في السؤال، أين كان هذا الزائر الذي تربطه بالمرأة الشهيرة صلات قريبة في الأيام الأولي من دخولها إلي المستشفي، عندما كانت بين الحياة والموت؟ وضعتْ شقيقتها يدها من الخلف علي كتفي، وهتفتْ بالسلام علي ضابط الأمن الذي فتح الباب الحديدي مبتسماً، ولم يكلف نفسه مجرد تخفيف حدة انتقال ملامح وجهه من الاستغراب والوجوم إلي الانشراح والحيوية، وكأنني لم أكن شاهداً علي هذا الوجه في لحظتين مُتعاقبتين. علَّقتْ شقيقة المرأة يدها في مرفقي، وقالت أثناء مشينا علي مدق رشيق من البلاط الإسمنتي، علي جانبيه زهور وأشجار قصيرة: كنتُ أسأل نفسي متي سيعرف المُحارب بكل ما لديه الوقت والروح والجسد، خبر حادثة السيارة المشؤومة، فهو حسب معرفتي يخونه دائماً الوقت المُناسِب، مع أنه لا يبخل بروحه وجسده. كانت الشقيقة قد استخلصتْ لي علي مدار سنوات عِبَارة المُحارب بكل ما لديه الوقت والروح والجسد، بحيث لم أستطع من كثرة تكرار قولها أن أجزم حقيقة بقائلها، هل العِبَارة لي؟ أم هي للشقيقة؟ أم أننا التقينا في منتصف طريق تأليفها بتزامن دقيق. اقترحتْ الشقيقة بأن نأخذ فنجانين من القهوة في مطبخ المستشفي، إلي أن تدب الحياة في الكافيتريا. قالت بأن الخطر الحقيقي الجسدي علي شقيقتها قد زال، وحل محله خطر نفسي مُحتمل. نظرتْ منذ يومين في مرآة صغيرة، وأنكرتْ نفسها. كانت تنفي اسمها المفرد، واسمها الثنائي علي حد سواء. كان نفياً علي طريقة ماجريت، هذا ليس غليوناً، علي الرغم من أن طرافة ماجريت، أنه وَقَفَ عند حدود النفي، إلا أن طبيبها النفسي قال: إذا تجاوزتْ النفي الطريف، وقررتْ أنها علي سبيل المثال، بحيرة أو حائط أو كوكب، هنا فقط سنبدأ علاجاً طويلاً لا نعرف نهايته. علي طرف منضدة طويلة من المعدن جلستُ مع الشقيقة، وأمامنا فنجانين من القهوة، وعلبة شيكولاه ماكينتوش بطعم ماء الورد. قالتْ وهي تلمس العلبة: أخشي أن تكون الهدية الآن غير مُناسِبة، والزيارة أيضاً. ابتسمتْ وقالتْ: تسمح لي. لم أبد اعتراضاً. طلبتْ من الرجل الذي أحضر لنا القهوة سكِّيناً. جاء الرجل بالسكِّين. فضَّتْ غلاف العلبة بطريقة فظة. أخذتْ من العلبة واحدة، وعزمتْ علي بأخري. رفضتُ بشرود. أعطتْ العلبة للرجل الذي أحضر لنا القهوة والسكِّين، ثم قالت بمرح: المُحارب بكل ما لديه الوقت والروح والجسد.