التعددية هي النظام السياسي الذي يعتمد علي تعدد الأحزاب، علي أن يشكل الحكومة ذلك الحزب الذي يحوز علي الأغلبية البرلمانية في أي انتخابات تشريعية، والتعددية هي المصدر لمبدأ تداول السلطة، وبالرغم من أن الدستور الآن يقر تلك التعددية ولكن مازالت الحياة الحزبية المصرية بعد عمرها الذي يكبر عن ثلاثين عاما يحبو كطفل وليد بل قل أنها ومنذ إصدار قانون الأحزاب مازالت تلك الأحزاب كطفل كسيح، ولاشك فأن هناك أسبابا وأسبابًا لكساح حياتنا الحزبية ليس أقلها تلك اللجنة التي تسمي بلجنة الأحزاب وهي اللجنة التي لها حق المنح والمنع لتلك الأحزاب ولأسباب بعيدة عن أي منطق سياسي أو حزبي.. والأهم هو تلك الأحزاب والتي تزيد علي العشرين حزبًا والتي لا يمكن لأي متابع أو لأي سياسي يمارس السياسة أن يتعرف علي حتي مجرد أسماء تلك الأحزاب حيث أنها أحزاب ورقية بل قل هي ديكورية للإيهام بأن هناك ديمقراطية أو كأننا نمارس التعددية. ولاشك فأن تلك الحالة المزرية ديمقراطيًا وسياسيًا لا يمكن أن نعفي حزب الأغلبية من تلك المسئولية عن هذه الحالة المتردية حزبيًا وذلك نتيجة لذلك الدمج الذي يحدث بين حزب الأغلبية وبين مؤسسات الدولة والحكومة مما جعل التعامل مع حزب الأغلبية وفي ضوء غياب المشاركة السياسية الجماهيرية المطلوبة يصبح ذلك التعامل ليس مع حزب شعبي بقدر ما هو تعامل مع سلطة وحكومة ودولة الشيء الذي يؤثر بلا شك علي حيوية الحياة الحزبية بمواصفاتها السياسية التي يجب أن تكون ناهيك عن تسليم أحزاب ما يسمي بالمعارضة والتي هي لا علاقة لها بالأحزاب ولا الحزبية وذلك لقيامها أساسًا عن الشارع وفقدانها أي علاقة جماهيرية حقيقية مما جعلها سجينة مقاراتها. ولذا كان البديل تلك الصراعات الحزبية الداخلية لتلك الأحزاب الورقية علي منصب الرئيس أو علي مغنم مادي هنا أو مكسب معنوي هناك وتسليم المعارضة كان الركون لتلك الحالة المميتة لكل حياة سياسية والتي استبدلت المواقع الوهمية بدلا من العلاقة الجماهيرية، وفي ظل تلك الحالة المزرية للحياة الحزبية قد رأينا لجنة الأحزاب ولأسباب لا نعرفها قد وافقت علي قيام حزب الغد لأيمن نور ثم كان ما كان من سجن لهذا الأيمن علي أرضية تزوير توكيلات ذلك الحزب. ثم خروجه تحت بند إفراج صحي وقد سبق ذلك منذ عام 2004 حالة من الحراك السياسي والتي أفرزت حركة كفاية ثم تلتها غيرها من الحركات المماثلة في المسمي والمضمون وكان بعد ذلك ظهور حزب الجبهة الوطنية الذي كان يجب أن يكون واعيًا لكل سلبيات التجربة ليتفاداها ولكنه كان رقمًا كبيرًا في فشل التجربة مضافًا إليها، وفي كل الأحوال لم تتبن تلك الأحزاب وهذه الحركات أي برنامج سياسي حقيقي يمكن النزول به إلي الجماهير بتشويق والحصول علي ثقة الجماهير حول هذا البرنامج باستثناء حركة كفاية التي رفعت شعار لا للتمديد لا للتوريث ولكن لم يصل هذا الشعار إلي أي أرضية جماهيرية حقيقية غير أن هذا الشعار قد انتقل إلي كثير من بعض الأحزاب والحركات الاحتجاجية دون حدث حقيقي علي أرض الشارع السياسي وظل الجميع محاصرًا ومحصورًا في مقارات أو في ناصيات الشوارع ثم أعلن عما يسمي بائتلاف المصريين من أجل التغيير وهو يحمل أجندة سياسية من حق أصحابها الإيمان بها والدعوة إليها. ولكن وللأسف الشديد قد تحول العمل السياسي والحياة الحزبية وعمل الحركات الاحتجاجية إلي شو إعلامي يتسابق فيه الجميع علي تلك الكاميرات التليفزيونية والقنوات الفضائية. والدليل علي ذلك هو ذلك التفكك والتشرذم بين كل ما يسمي بقوي المعارضة فمنذ منتصف الثمانينيات للقرن الماضي ولم تتمكن المعارضة من الاتفاق أو الائتلاف، وذلك لأن كل حزب أو فصيل سياسي يتصور أنه الأهم، والأجدر بالقيادة وهذا ينسحب علي الأشخاص فكل من خرج علي شاشات التلفاز قد أصبح زعيمًا وقائدًا وفي هذا المناخ المؤسف خرج علينا البعض بإعلان عن حركة "مايحكمش" تلك الحركة التي اخترعها أيمن نور من رحم بيت الحرية الأمريكي صاحب الدور الذي بدأ منذ عام 1945 لمواجهة الشيوعية في ذلك الوقت وأصبح الآن متعدد الاستعمال تحت بند الديمقراطية وحقوق الإنسان، والأغرب ليس الاسم فقط وهو يوحي بالرقص والراقصات والهنك والرنك ويذكرنا بعصر شارع محمد علي، ولكن أن منسق هذا اللي ما يحكمش هو د. حسن نافعة وهو شخص صاحب فكر وموقف ونحترم موقفه ولكن ما نرفضه شكلاً وموضوعًا ليس علاقة من دعا إلي تلك اللي ما يحكمش وهو أيمن نور مع أمريكا وبيت الحرية ولكن تلك العزومة مع سفيرة أمريكا والتي حضرها د. حسن نافعة يقبل اعلان تلك الحركة وموافقة د. حسن علي أن يكون منسقا فما علاقة السفارة الأمريكية وبين الحرية من تلك الحركة؟ وكيف يسمح د. عبد الحليم قنديل بحضور جلسة الإعلان وهو يعلم موقف كفاية ومؤسسيها من أمريكا تحديدا؟ وكيف توافق أحزاب مثل الكرامة والناصري وغيرهما علي ذلك؟ أهي سيولة سياسية تتم من بين أيدينا علي حساب المواقف التاريخية؟ أم هي المصالح الذاتية والتطلعات الشخصية التي هانت أمامها كل القيم وذابت كل المواقف؟ العمل السياسي له مرجعياته والمواقف لها ثمنها والمباديء بلا مقابل والتوريث ورفض حق لكل مواطن دستوريًا ولكن الأهم هو كيف نصل للجماهير بأجندات سياسية تعبر عنها فكسب المصداقية الجماهيرية ويكون الصراع السياسي الحق والمشروع والقانوني وليس "بمتحكمش" تدار السياسية وتحكم الشعوب.