قبل حادث العياط، واصطدام القطارين المروع والفضيحة.. لقي عدد مماثل من المصريين حتفهم في حادث طريق مؤسف بين البداري وأسيوط أسفر عن 51 قتيلاً أيضاً.. وتزامن مع أكثر من حادث طريق آخر في نفس اليوم.. ولم يجد الأمر نفس القدر من الاهتمام بين قطاعات الإعلام المختلفة.. التي انشغلت كثيراً بموضوع حادث القطار.. وقد أسفر عن 81 قتيلاً حتي كتابة هذا المقال. إن الدماء قيمتها متساوية في كل الأحوال.. ومن مات في الطريق كمن فارق الحياة علي شريط السكك الحديدية.. وقتيل مثل عشرة مثل مائة.. وأرواح الضحايا في العياط تساوي أرواح الضحايا في البداري.. وإن اختلف الرقم. وأستطيع أن أتفهم الفرق في المشاعر بين الحالتين.. ذلك أن المواطن يفترض أن القطار أكثر أمنا.ً. كما أن موقع العياط كان قريباً من محطات التليفزيون والصحف في القاهرة فسارعت إلي المكان بعكس قدرتها علي أن تغطي حادث طريق الصعيد.. علي الرغم من أن الدماء مصرية واحدة في الحالتين.. كما أن الرأي العام يتابع الحديث المتكرر عن عمليات تطوير السكك الحديدية ويريد أن ينتج عن هذا انعدام أو قل تراجع معدلات الحوادث وارتقاء مستوي الخدمة. وإذا كان من حق الجميع أن يلقي بالمسئولية علي وزارة النقل.. وأنا من موجهي الاتهام إليها.. وهي التي أمر وزيرها بتحقيق عاجل في الحادث.. إلا أن الموضوعية تفرض علينا أن نعطي تركيزاً إضافياً، لا ينفي غيره، للعنصر البشري المتورط في الحادث.. أي ببساطة شديدة وصراحة أشد: تراخي السائقين. لا ينبغي ونحن نتحدث عن المسئولية السياسية والإدارية لأي حادث ومن يتحملها أن نتجاهل هذا الإهمال الرهيب ممن يقومون بأعمالهم في نقل الناس من مكان إلي مكان.. ويتغاضون عن عوامل الأمان والسلامة.. وعن تعليمات سبق أن صدرت.. إن استقالة رئيس الهيئة أو إقالته.. أو حتي ما هو غير ذلك.. لن تعيد الأرواح التي أهدارها إهمال السائقين. لديهم دورات تدريبية متكررة.. ولديهم أجهزة تحكم سلمت إليهم قبل أسابيع.. وروجعت من قبل مهندسين مسئولين.. ووقع عليها السائقون.. لكنهم يعطلونها.. والكثير منهم منشغل بإثارة القلاقل داخل الهيئة بحثاً عن مكاسب إضافية أكثر من كونهم يخلصون لأداء أعمالهم.. وهم منشغلون بترتيب الإضرابات أكثر من انشغالهم بأداء أعمالهم أولاً.. وهذه كلمة حق يجب أن تقال حتي لو أثارت غضباً من الذين ينتظرون أن نعلق المشانق الفورية لما هو أعلي في المستوي. الإهمال داخل كابينة الجرار أدي إلي كل هذا العدد من الضحايا.. والتراخي يجب أن يعامل بما يستحقه من لوم وعقاب.. والهيئة لابد أن تفرض عقوبات أشد علي مثل هذا النوع من السلوك.. وأن تفرض انضباطاً وحزماً.. أن تكون أكثر قسوة في التعامل دون خشية من ردود الأفعال.. خاصة أن مقاومة الإصلاح في هذه الهيئة العريقة تتزايد يوماً تلو آخر.. ما قد يؤدي إلي كوارث أكبر. هذه دماء عائلاتنا.. وإخوتنا.. مواطنينا.. الذين خرجوا من بيوتهم لكي يصلوا إلي أماكن أخري سالمين.. فأصبحوا في عداد الراحلين.. وتيتمت أسر.. وثكلت أمهات.. وترملت زوجات.. وضاعت أحلام.. وانهارت بيوت.. بسبب انعدام مسئولية وإخلاص عنصر بشري أهمل وتراخي.. وإذا كنت أنتقد وزارة النقل وأطالبها بمزيد من الحسم والحزم والإسراع بخطط الإصلاح فإنني أطالب بعدم التهاون مع أي مسئول عن الإهمال والتراخي.. وبالطبع هذا لا يتعلق بالقتلة الذين تسببوا في موت 91 مصرياً.. إذ سوف يحاكمون قضائياً.. وإنما بمن هم ينشغلون بالإضرابات علي حساب أرواح الناس ومصالحهم.. فمنهم من أهمل ومنهم من هو في طريقه إلي مزيد من الإهمال. [email protected] www.abkamal.net