أعتقد أن هناك اتفاقاً عاماً علي أن التغيير الأساسي الذي يحتاجه المجتمع المصري يرتبط بثلاثية: التربية والديمقراطية والمواطنة. وسوف أتناول في هذا المقال التربية ليس من منطلق وزارة التربية والتعليم، ولكن من منطلق القيم والمبادئ التي من شأنها أن تشكل وجدان أطفالنا. وأيضاً لكون التربية هي المدخل الوحيد للوصول للديمقراطية ولمجتمع المواطنة. إن التربية التي أقصدها هنا هي الخبرات المتراكمة التي يكتسبها أطفالنا لكي تكون لديهم القدرة علي ممارسة الحياة والتفاعل مع المجتمع، وهو ما يؤثر بعد ذلك في السلوك اليومي لهم طيلة حياتهم. ومن أكثر الأمور المحيرة في تلك الخبرات هي مسألة العقاب.. علي ما نراه، من وجهة نظرنا، تصرفاً خطأ من أطفالنا. أعلم جيداً أن العقاب في ثقافتنا مرهون بفعل (الضرب) والأذي تحت مظلة التربية. غير أن حقيقة الأمر تؤكد عكس ذلك.. لأن العقاب في حقيقته هو رد الفعل من الأب والأم تجاه تصرفات أطفالهما التي يريان فيها تجاوزاً وخطأ. وهو ما لا يمكن أن يعالج بالضرب.. الذي يعتبر نوعاً من إعلان الأب والأم عن فشلهما في التعامل مع خطأ أطفالهما. يجب أن يكون العقاب بقدر الخطأ، وهو ما يعني أيضاً أهمية أن يكون هناك (تدرج) للعقاب في حالة تكرار الخطأ الواحد. ويترتب علي ذلك مسألة الحفاظ علي معيار أن يكون العقاب بقدر الخطأ وهو ما يعني ببساطة تحميل الطفل العقاب الذي يتساوي مع خطئه بدون تشديد أو تضخيم للعقاب لكي لا يفقد تأثيره من جانب، ولكي تكون هناك فرص أخري بديلة للأب والأم بتدريج العقاب في حالة التكرار. والعقاب دائماً يرتبط بخطأ أو تجاوز تم ارتكابه بالفعل، وليس من خلال الاستنتاج والتوقع من الأب والأم بأن الطفل سوف يقوم به. وهو ما يحافظ علي مدي حب وتقدير الأب والأم لأطفالهما.. واستمرار حالة الثقة المتبادلة. ولا يعني العقاب بأي حال من الأحوال تلاشي هذا الحب أو الاحترام وفقدان الثقة.. فالعقاب لا يتعارض مع الاحترام المتبادل بين الأب والأم وبين أطفالهما للحفاظ علي كيانهم وبناء شخصية سليمة لهم. لا يوجد عقاب مستمر لفترات طويلة، ودائماً هناك أهمية في تأكيد الأب والأم علي أطفالهما بأن العقاب ليس لشخصهم، بل لفعل الخطأ الذي تم. وبمعني آخر، فإن المعادلة الرئيسية لأهمية العقاب هي كيف يمكن للأب والأم أن يعاقبا أطفالهما.. وفي الوقت نفسه بدون أن يفقد الأطفال شعورهم بحب الأب والأم لهم واحترامهم لشخصياتهم؟!. إن العقاب والثواب.. يجب أن يكون متدرجاً علي قدر الخطأ والصواب. وهو ما يجعل (العقاب).. كأسلوب للتربية والتعليم.. طريق التغيير الحقيقي والإيجابي لشخصية أطفالنا. تذكرت كل ما سبق بسبب حديث مع طفلتي الصغيرة، التي قالت فيه: (علمني.. قبل ما تعاقبني).