أن تكون متديناً فهذا شأنك واختيارك.. أن تزايد علي تدين الآخرين.. فهمك شيء قبيح ومرفوض. أن تطابق بين فهم للنصوص الدينية وصحيح الدين فهذا يقودك حتماً إلي تكفير الآخرين. احتكارك للدين وللحقيقة وللفهم الصحيح وعدم ادراكك بأن فهمك هو شيء بشري أي غير مقدس. وعدم ادراكك أن فهمك هو صورة. مجرد صورة وأنه إحدي الصور غير المتطابقة مع الأصل الإلهي المقدس. وأن افهام الناس غيرك صور أيضاً يقودك لاحتكار الدين ويقودك لاحساس مفرط بالتطابق بينك وبين الدين لدرجة أنك تقول (أنا الدين والدين أنا) إذا وصلت لهذه الدرجة فسوف يكون كل المخالفين لك في الفهم وكل المختلفين عنك في الرؤية كفرة وملاحدة وفي أفضل الأحوال زنادقة أو مرتدين وفي أفضل الأفضل فساق وخارجين وتائهين عن الصراط ومحرومين من الخلاص الإلهي. ويجب الدعاء لهم بالهدي باعتبارهم فساقاً.. والاستغفار مما يعتقدون والبراءة مما يقولون أو قتالهم باعتبارهم مشركين.. المقدس أصل واحد.. وافهام الناس صور متعددة لذلك الأصل أما إذا اعتبرت أن فهمك أصل مثل الأصل فأنت أصولي. أنت تدعي أنك تفهم ما قصده الله فهماً مطابقاً لفهم الله. إذن ففهمك مقدس أيضاً مثل النص المقدس فكيف اختلف معك؟! اختلافي معك سيكون اختلافاً مع الله وبالتالي سيكون التكفير حليفي. إنك إذا وضعت قداسة علي فهمك وادعيت أنك الأصح فقد ألغيت في نفس الوقت وفي ذات اللحظة حقي في الاختلاف. نقرأ في قاموس وبستر للعالم الجديد وهو القاموس المختص لما يسمي اللغة الأمريكية والمعد لطلاب الجامعات الأمريكية وما في حكمها أن الأصولية هي المعتقدات التقليدية التي تعتمد علي تفسير حرفي للإنجيل وهي حركة منبثقة عن النزعة البروتستانتية الأمريكية تقوم علي الإيمان المعارض لنزعة الحداثة ويشير المعجم التعليمي إلي الأصولية بوصفها الفهم الحرفي الجامد للنصوص الدينية والأصولية كما يشرحها د. جابر عصفور في كتابه أنوار العقل الصادر في القاهرة عام 96 عن هيئة الكتاب ص (124 - 158) ( هي استبدال أصل لاحق بأصل سابق والانتقال من رحابة فهم النص الأول إلي جمود التسلط الملازم للنص الثاني حيث سيكون لدينا نص ثاني هو فهمك أنت فيتحول فهمك إلي نص مقدس ثابت تقيس عليه أفهام الآخرين لتكون أنت الثابت الذي يقاس عليه المتغير ولتكون أنت المرجع الذي لابد أن يقول الآخرون به ويفكرون بمثله وهذا هو معني التطرف فالمتطرف هو من لا يسمح للآخرين بالاختيار لابد وأن يقولوا بما يقول ويروا ما يري فأنت عندما تحاول فرض فهمك الديني علي غيرك فأنت متطرف وتمارس حالة من الإرهاب الفكري للآخرين قدرتك علي تقبل الآراء المخالفة لك مهما كانت شاذة هي ما يؤكد أنك بشر طبيعي أما غير ذلك فأنت في حالة يجب إدراك ضرورة العلاج والتخلص منها وضرورة الحرص علي التعافي منها ف"ربنا يشفيك". ومن أخلاق الأصوليين الشهيرة مهاجمة كل ما تراه خروجا علي الأصل ورد كل الانحرافات الاجتماعية إلي التطور والحداثة ليصبح التخلف عن الحاضر هو الحل والانعزال والانسلاخ والاحتماء بالقديم هو طوق النجاة والفرار من الفطام المؤلم للحداثة والارتماء في حضن الأجداد والتقوقع والانغلاق هو الأصالة بعينها تؤمن أن الخارج مصدر للشر وأن الآخر متهم في كل الأحوال بينما هي تقطر وداعة وتؤمن بأنه لا يجب أن يكون هناك آخر أصلاً وأي حوار يسلم بوجود الآخر مرفوض أصلا أي آخر لابد أن نكون كلنا واحداً نتماهي ونتطابق وننضغط في بعضنا البعض لنصبح أمة واحدة شخص واحد "فالاختلاف فتنة والتعدد تمزيق" ثم يتطابق هذا الشخص الواحد مع الدين ليصبح هناك فهم واحد وواحد فقط إنها العولمة علي طريقة الاسلاميين عولمة إلغاء المسافات بين الأشخاص وإذا كان التطابق يصلح في المثلثات والأشكال الهندسية فيجب إدراك أنه لا يصلح في البشر فأنا غيرك وهذا طبيعي وأنا غير أبي وهذا طبيعي وأنا غير أخي وهذا طبيعي وأنا غير الآخرين وهذا بديهي والتماهي هو أخطر ما يصيب الذات فالذوبان في الآخرين يجعل منك شيء قابلاً للتلاشي لابد أن تكون مختلفاً عن الآخرين والاختلاف هو الدليل الوحيد علي وجودك والتماهي والتطابق هوالدليل الأكيد علي فنائك في الآخرين وذوبانك في شخوصهم حالة الفطام عن الآخرين لابد أن تلي الفطام عن الأم لابد أن تسير حياة الإنسان في اتجاه الفطام مرة عن الأم ثم عن الأب ثم عن الأجداد وهكذا كلما اختلفت كلما وجدت وأثبت وجودك ولنظل نعاني من التماهي بين الدين ودعاته فإذا أنت اختلفت معهم صوروا الأمر علي أنه خلاف مع الدين ذاته فهم يصادرون حقنا في المغايرة ولا يعترفون لنا بحق الاختلاف وبالتالي حق الوجود والحياة.