انفتحي أيتها الأرض العظيمة، وامسكي همسات أوراقك أيتها الأشجار فأنا أهم بالترنم بمدائح الواحد الكل هذه هي الحالة الروحية التي تخرج بها بمجرد مشاهدة العرض المسرحي أطياف المولوية للمخرج انتصار عبد الفتاح وبطولة سميرة عبد العزيز وأحمد فؤاد سليم وهو ضمن عروض المسابقة الرسمية لمهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي، وإنتاج الفرقة القومية للعروض التراثية مسرح الغد عرض أيام الأحد والاثنين والثلاثاء ومن المقرر أن يستمر بعد انتهاء المهرجان. العرض حالة إنسانية صوفية رفيعة وخاصة جدا تنقل المتلقي إلي أجواء روحية سامية من خلال الإنشاد الديني الصوفي الإسلامي والترانيم المسيحية القبطية وقد نجح المخرج في عمل مزج بينهما، هذا بخلاف المكان غير التقليدي الذي يعرض به المخرج انتصار عبد الفتاح عمله وهو قصر قبة الغوري فالمكان أيضا يساعد بشكل كبير علي ترسيخ هذه الحالة الروحية داخل المشاهد حتي أن الجمهور لا يستطيع القيام بعد العرض من مقعده مباشرة وينتظر لدقائق متأثرا بروحانيات تلقاها لمدة 45 دقيقة كاملة. شهد العرض أيام المهرجان زحاما جماهيريا شديدا حتي أن القائمين عليه اضطروا يوم الاثنين الماضي لعمل عرضين بدلا من عرض واحد وبالفعل بدأ العرض الأول في العاشرة والنصف مساء والثاني في الحادية عشرة والنصف، وعن هذه التوليفة الإنسانية الصوفية قال المخرج انتصار عبد الفتاح: هذا العمل يعتبر الجزء الثاني من الثلاثية التي تقدمت بها كمشروع منذ ثلاث سنوات حيث كنت قد أنشأت فرقة للإنشاد الصوفي انضم إليها عدد من الأقباط ثم كورال أكابيلا ومجموعة من الشباب الأندونيسي وتكون الفريق حتي قمنا بتقديم هذا العرض الذي استغرق الإعداد له ثلاث سنوات متتالية حتي يخرج بهذا الشكل وأضاف: الفريق بدأ بعرض الخروج إلي النهار في قصر الأمير طاز وهو الجزء الأول من هذه الثلاثية، لأنني في الحقيقة متأثر للغاية بالحضارة الفرعونية واستفزتني المعالجة الغربية التي قدمت لكتاب الموتي لأنها ركزت في الأساس علي ما يسمي لعنة الفراعنة وليس حكمة الفراعنة إلي جانب أنني تأثرت جدا بفيلم المومياء لشادي عبد السلام لذلك شعرت أنني كفنان لابد أن أبحث وراء حكمة الحضارة الفرعونية ورقيها ليس بمنطق تقديم الحضارة الفرعونية من خلال النقوش القديمة، ولكن بشكل آخر جديد، وبصراحة كانت المسألة صعبة ومرهقة للغاية لأنني اعتمدت في بحثي خلال عرضي الخروج إلي النهار وأطياف المولوية علي مجموعة كبيرة من الأبحاث والمراجع الهامة حتي تساعدني في طرح وجهة نظري للموضوع كان منها كتاب الموتي الفرعوني ترجمة عربية للدكتور فيليب عطية و موسوعة الأساطير والرموز الفرعونية ومتون هيرمس بجانب أغاني صوفية وترانيم قبطية وكنسية مختارة من التراث المصري القديم. ويضيف عبد الفتاح: لأنني أردت تقديم الصوفية بمعناها الكوني الواسع فوجدتها في متون هيرمس واللغة القبطية القديمة، أن الشخصية المصرية تتمتع بقدر هائل من التسامح والمحبة والحكمة علي مر العصور، وعادة يعتمد منهجي في تقديم أعمالي المسرحية علي المسرح البيليفوني وهو المسرح متعدد المستويات وهذا النوع لا يعتمد علي الحوار فقط بشكل أساسي فهناك عوامل ومستويات مسرحية اخري لابد من استغلالها فقد تكون الإيماءة أو الإشارة لغة أو الصمت أو حركة الجسد كل هذه العناصر تلعب دروها حتي يخرج العمل بشكل متكامل ومعبر عن الحالة الإنسانية الخاصة التي أردنا أن يصل العرض من خلالها لأن عروضي عادة لا تعتمد علي الشكل التلقيدي لكتابة النص المسرحي فهي ليست قصة بها عقدة ووسط ونهاية بل هي عروض تعكس حالة إنسانية لأن التناغم الذي حدث بالعرض بين اللغة القبطية القديمة واللغة الصوفية يعكس تفرد الشخصية المصرية بشكل كبير في كل شيء وقال عبدالفتاح: بالرغم من أن العرض باللغة العربية إلا أن الأجانب خرجوا متشبعين به تماما حتي ان احدهم قال لي أن هذا العرض لابد أن يلف العالم، لأن استخدامنا لبعض الأشياء ساهم أيضا في إحداث هذه الحالة التي يشعربها المتلقي بعد العرض مثل ريشة العدالة الفرعونية التي كانت تكحله بها الكاهنة فمن خلالها يري الناس بعين العدالة وإختيار الكاهنة السوداء لأنها كانت في تلك الأوقات تقوم بعمل حالة من التوازن الكوني بتجديد ذكري إيزيس وأزوريس فأنا قصدت الا أعتمد علي تقديم المولوية التقليدية كطريقة صوفية ولكنني قدمت المولوية بشكل اعمق من خلال سمو هذه الطريقة في الدوران الكوني كما ركزت عليها في حركة دورانها كطقس من طقوس هذه الطريقة الصوفية، لذلك لم أر داعيا للاستعانة بكلام جلال الدين الرومي لأن نظرتي للموضوع أعمق فانا أقدم عرضًا إنسانيا وعندما كنا نقدم هذا المزج الإنساني في عرض رسالة سلام من قبل قصدت أن أضيف عبارة سلام الله علي الإنسان في كل مكان بعد السلام علي الأنبياء وهي موجودة داخل العرض لأن هدفي في النهاية هو تقديم مبادئ وطقوس السمو بالذات العليا الموجودة في كل الأديان. وعن إمكانية انتقال العرض من قبة الغوري أكد عبد الفتاح: أحب الأماكن الكونية فأنا دائما ما أبحث عن مصر بهذه الأماكن من قبل كان عرض الخروج إلي النهار في قصر الأمير طاز وحاليا قبة الغوري والمرة القادمة سيكون الجزء الثالث من الثلاثية في مكان آخر علي نفس الدرجة، بجانب أن العرض داخل قبة الغوري يحقق لي الحالة الإنسانية التي أريد المشاهد ان يصل إليها مع نهاية العرض فالجمهور هنا كأنه داخل قداس صوفي بينما في قاعة المسرح سيتعامل مع العرض وكأنه عمل مسرح وفور نهايته سيتركه ويخرج دون الشعور بحالة السمو الروحاني التي يشعر بها داخل هذه القاعة وهذه بالنسبة لي بمثابة جائزة كبري لا تقدر بثمن.