بعكس الكثير من وزراء الخارجية السابقين يؤمن أحمد أبوالغيط بالشفافية المطلقة، وهو يفضل وضع الرأي العام في حقيقة ما يحدث في الغرف المغلقة إلا فيما ندر حين تكون الطبخة السياسية لم تكتمل بعد للإعلان عنها. وهو في أكثر الأوقات صعوبة ودرامية لا يؤمن بنظرية "الصمت خير من الكلام"، وإنما يعبر عن المواقف المصرية بكل وضوح حتي لو بدا ما يقوله صادمًا للرأي العام، وفي هذه الأوقات أيضًا لا يتخلي عن تفاؤله المعتاد، كما رأيناه في ثلاث أزمات في منتهي الصعوبة هي حسب الترتيب الزمني: الحرب علي لبنان، ثم الاجتياح الفلسطيني للحدود المصرية، وأخيرًا حرب غزة. أمس بدا وزير الخارجية بعيدًا جدًا عن تفاؤله المعتاد، وخلال الرد علي أسئلة الصحفيين كان يرد بكلمة أو بكلمتين وبدا عليه تشاؤم كبير غير معتاد.. فالمحادثات الفلسطينية الإسرائيلية -كما قال- ليست في الأسابيع القليلة المقبلة، والحوار الوطني الفلسطيني قد لا ينجز في الموعد الذي سبق الإعلان عنه وهو السادس والعشرين من الشهر الجاري بعد تسعة أشهر شاقة من المفاوضات والاجتماعات في غزة ورام الله والقاهرة. وترك أبوالغيط انطباعًا لا تخطئه العين بأن الوضع في غاية الصعوبة وهذا حقيقي إلي حد كبير، فبينما كنا قاب قوسين أو أدني من توقيع اتفاق المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام وفتح الباب لإعادة إعمار ما دمرته الحرب في غزة، وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فلسطينية جديدة تعقدت الأمور بعد أزمة تقرير جولدستون. ولا يمكن لوم أي فلسطيني أو عربي أو مسلم علي غضبه بسبب تأجيل طرح التقرير الذي يدين إسرائيل علي مجلس حقوق الإنسان، لكن غير المقبول أن يتحول جولدستون إلي قميص عثمان لإفشال حوار المصالحة الفلسطينية، لأن الإصرار علي عدم التوقيع من أي طرف أو فصيل لا يصب في صالح القضية الفلسطينية، وإنما يعني بلا شك أننا أمام مجموعة من الفصائل والتنظيمات التي تعلي مصلحة الفصيل السياسي علي حساب الوطن وهنا تكمن المشكلة الكبري. في القضية الفلسطينية يفترض أن العالم كله في حالة هجوم نحو السلام، وهناك رغبة أوروبية حقيقية في إقامة دولة فلسطينية، مدعومة بتحرك أمريكي لم يثمر حتي الآن، لكن هذا الهجوم والتحرك يحتاج إلي مساندة فلسطينية قبل أي طرف آخر، وهذه المساندة لن تتحق مادام الفلسطينيون علي حالهم. [email protected]