تحمّس لنشر الكتاب، ولم يحرر عقدا أو اتفاقا قانونيا - ماديا وأدبيا - مع مؤلفه، وكتب عليه يوزّع في مكتبات الكنائس والأديرة والمكتبات العامة، أرسل لصاحبه - المقيم في بورسعيد - عشر نسخ، وبعد أسابيع من صدوره قصّ الناشر عشر صفحات مزدوجة من بداية الكتاب بحجة احتوائها علي كلام بذيء لا يليق بالعرض علي الكنائس والشباب المتدين. هذا بإيجاز تفاصيل الواقعة الغريبة التي فوجئ بها عادل جرجس مؤلف كتاب "شفرة زيدان" صدر مؤخرا للرد تفصيليا علي رواية "عزازيل" وما جاء فيها من ادعاءات، مفندا الفروق بين الحقيقة والخيال داخل الرواية، ليصل في النهاية إلي أن الرواية تحمل في باطنها إسقاطات ورموز وشبهات ودوافع جعلتها أيديولوجية موجّهة أكثر من كونها عملا أدبيا. وجيه شفيق مدير دار أنطون ناشرة الكتاب نزع - باعترافه - الصفحات من 9 إلي 28 من مجمل 327 هي عدد صفحات الكتاب، وهي جزء من ملخص لرواية عزازيل يحوي مشاهد جنسية للراهب هيبا، رأي المؤلف مثلما أوضح في المقدمة ضرورة إرفاقه بكتابه تمهيدا للرد علي ما جاء في هذا الملخص، وحتي يتسني لمن لم يقرأ الرواية الأصلية التعرَض لفكرتها الرئيسية من خلال مجتزأ بالنص لمقاطع من الرواية، بين تأكيد المؤلف لاكتشاف الواقعة بالصدفة في رسالة أرسلها عبر الفاكس إلي روزاليوسف، وبين تأكيد الناشر أنه أقدم علي ذلك بالاتفاق مع المؤلف شفويا، لما رآه أن الجزء المقطوع لا أخلاقي وليس من داع إلي نشره. القضية علي الرغم مما توحي به من خلل وانفلات ثقافي، لكنها تحمل قدرا من السخرية والمفارقة، فكيف لكتاب صدر أساسا لنقض الرواية الجدلية عزازيل وينفي قطعا ما جاء بها وأثار حفيظة رجالات الكنيسة ويدافع عن أشياء راسخة في العقيدة المسيحية هدّمها زيدان وسخر منها مثلما قيل، كيف تطاله يد التشويه والمصادرة الجزئية بينما الرواية الأصلية منشورة بالفعل منذ عامين كاملة عن دار الشروق، وظلّت كاملة دون حذف أو إضافة أو تحريف في طبعاتها الست، حتي بعد الجدل الذي أثارته الرواية وثورة أصوات كنسية من أنها تهز عرش المسيحية وحياة الرهبنة في مصر، ثم منذ عام نال عنها مؤلفها باحث المخطوطات "البوكر العربية" أرفع جائزة عربية أجنبية حتي الآن، ورغم ذلك ولأول مرة لم يتهدد عزازيل شبح المصادرة أو التشويه أو الحرق، بل ظهرت ردود الأفعال الغاضبة عليها في صورة كتب مضادة أولها كتاب القمص عبد المسيح بسيط، وثانيها وربما ليس آخرها الكتاب الذي بين أيدينا للكاتب عادل جرجس بعنوان شفرة زيدان.. فك رموز رواية عزازيل للدكتور يوسف زيدان الصادر لدي دار أنطون. يقول جرجس لروزاليوسف متسائلا: "هل الجنس محرّم علي الكنائس؟! وماهي المشكلة أن يوزع الكتاب علي الكنائس؟! نشيد الإنشاد في الإنجيل نفسه به ألفاظ جنسية". وأضاف: لمّا أخبرني أكثر من شخص، كنت أظن أنها طبعة ثانية معدّلة، ولم أكن مصدقا أن الناشر بتلك السذاجة يقدم علي هذه الطريقة المهينة، خاصة أنه تحمّس للكتاب ونشره دون علمي أو عقد اتفاق موثّق بيننا، إلا أنني فرحت لصدوره ولم التفت لشيء سوي نشر كتابي علي الرأي العام، وهو ما كان يهمني. يوضح جرجس في كتابه أن المحور الرئيسي لرواية زيدان هو تسفيه الأرثوذكسية وتفريغها من محتواها عن طريق تشويه كل الموروثات . ويتساءل إلي أي مدي يحق للمبدع أن يتجرأ علي المقدس الديني في عمله الأدبي خاصة في مجتمع متدين ومحافظ كمجتمعنا المصري؟ يري جرجس أن عزازيل منظومة من الهلع والفزع الجنسي، وأنها لا تصلح لشيء سوي أن يقرأها المراهقون وهم يمارسون العادة السرية. ويقدّم في كتابه للرد علي زيدان تحليلا لموقع رواية عزازيل ضمن التيارات التي تهاجم المسيحية والكنيسة القبطية بالتحديد، لأن مؤلف عزازيل تعرّض لأمور دقيقة لا تخص العامة بقدر ما تخص المتخصصين من دارسي اللاهوت. يتوصل جرجس إلي نتيجة إلي أن شخصية الراهب هيبا المحورية في الرواية، هي معادل الخيال المريض للكاتب، وأن زيدان في المواقف الجنسية المملة في الرواية كان يفرض علي القارئ معاناته النفسية والشخصية وهي إيمانه باستحالة أن يعيش الإنسان متحكما في شهواته، وتصوّر أنه بذلك يكشف مستور عالم الرهبنة، الذي هو وفق جرجس حالة خاصة وليست مجتمعاً مفتوحاً، وعليه يتساءل: لماذا أراد زيدان اقتحام ذلك العالم الخاص جدا؟ لماذا لايصدّق أنه عالم طاهر ملائكي في معظمه؟ ويرد: فليذهب المؤلف إلي أي بقعة رهبانية ونتحداه أن يخرج لنا منها هيبا واحدة. في موضع آخر يتهم المؤلف الدكتور زيدان بمغازلة الصهيونية عندما أثار في روايته من أن اليهودية علي أصل الديانة وأن المسيحيين أتوا بهولوكوست جديدة عندما هدّموا المعابد وحوّلوا بعضها إلي كنائس بعد أن طردوا الكهنة وأحرقوهم.