سبع سنوات منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولي عام 1987 هي عمر الإعداد لهذا الكتاب "رسوم غزة.. رسائل الحب والسياسة" الصادر عن قسم النشر بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة للصحفية السويدية مايا جروندال، وتوثّق فيه بالصور والكلمات للرسم والفن التشكيلي والتعبيري في قطاع غزة "المدينة الفقيرة" كما كررت وصفها بذلك، أو "الرمادية المحبطة" كأوّل انطباع كوّنته عنها. تقول مايا: "كان أمامي الكثير من الأشياء المهمة لكي أوثقها، لكنّي توصلت في النهاية إلي أنني لن أستطيع مقاومة غواية الجدران التي تناديني". تأتي أهمية تلك الرسائل بطول جدران وحوائط المنازل المهدّمة والمدمرّة في غزة، كونها شكّلت وقتذاك بديلا عن الإذاعة والراديو والتليفزيون والصحف التي سيطرت عليها إسرائيل وقتها وعلي أي قناة ووسيلة للاتصال والإعلام بإمكانها أن تنقل أحداث الانتفاضة وأساليب المقاومة، فقد درج استغلال الحوائط كنشرات لإخبار المقاومين بأحدث انجازات الصراع مع العدو، ومع مرور السنوات أصبحت الحوائط واحدة من أهم أساليب المقاومة الفلسطينية ومتنفس الجماعات والفصائل السياسية الفلسطينية للتعبير عن سياساتها ونشر شعاراتها الجهادية. مايا التي تعيش بين القاهرة وجنوب السويد، وصاحبة كتاب مصّور "بين الأمل واليأس: الحياة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين"، صدر عام 2003 عن الAUC أيضا، توضح معدّل تأثر خطوط وتعبيرات الفنانين التشكيليين وفقا لتغير الأوضاع السياسية في بلدهم، والأكثر أهمية ما هو بعيد عن السياسة، حيث تظهر الحوائط كشاهد أيضا علي المرح والحزن لسكان القطاع، ومن ذلك مظاهر الاحتفال بالأعراس وحفلات الزفاف، جنبا إلي جنب مع رسوم تخلد صور الشهداء والضحايا، ثم تلك الأيقونات "حنظلة ناجي العلي" بالأمل الحاضر دوما في السلام والحرية. تكتب جروندال: "حوائط غزة أسرت انتباهي، بالأخضر والأحمر والأسود والأصفر.. تبدو كأنها ألوان واحدة تقول: اقرأوا رسالتنا"، وتتابع: "أخذت وقتا في البداية، فالأمر صعب خاصة عندما يفقد أناس حياتهم ويصطدمون يوميا بما يضعف آمالهم في السلام والعدل"..أكثر ما بهر جروندال تلك الروح الصارمة الفدائية للفنانين الذين كانوا يعملون يوميا تحت القصف في نقش الحوائط وزخرفتها بالألوان والخطوط بجميع أنواعها مثل الفارسي والديواني بمهارة وفنية عالية، غير عابئين باغتيالهم أو إصابتهم أو أسرهم، ولهذا يحتوي جزء من الكتاب علي حكايات من القلب والعقل لوجوه غزّاوية واقعية قابلتها الصحفية هناك.