أكذوبة (التوازن) في الصحافة الخاصة (5) أختتم هذا التحليل المطول والنقاش الموضوعي لفكرة تتردد منذ فترة في الأجواء الصحفية، ولايوجد لها تعضيد سياسي حقيقي، حول السعي إلي (إعادة بناء العلاقة بين الصحافة الخاصة مطبوعة ومرئية والدولة).. وبدون أن أكرر ملخصا لما كنت قد قلته في الأيام الأربعة الماضية.. فإنني أتجه إلي ملاحظات أخيرة لوضع النقاط علي الأحرف من وجهة نظري في هذا الأمر: لا أعتقد أن علي الدولة أن تبادر من جانبها أولا بأي خطوة.. فالذي ارتكب الجرم ويريد أن يصحح مساره هو الصحافة الخاصة.. وبالتالي فإن عليها أن تحدث بداية تعديلا في منهجها من حيث التزام الموضوعية والكف عن الطعن في المؤسسات التليدة للدولة وعدم إعطاء مزيد من الزخم للتيارات التي تستهدف إسقاط الدولة.. ووقف كل حملات التلوين والتشويه الشخصي لرموز مختلفة متعددة المستويات. أظن أن علي تلك النوعية من الصحافة الخاصة أن تعلن موقفاً صريحاً من مؤسسات الدولة وأن تضع خطاً فاصلاً بين مفهوم الدولة ومفهوم الحكومة ومفهوم النظام.. وبين المصالح القومية العريضة والاستراتيجية وبين الاختلاف مع التفاصيل المتعددة.. ولست أقصد بهذا أن تتحول تلك الصحف إلي منابر للدفاع عن الدولة وسياستها ولكن علي الأقل أن تلتزم الإطار الموضوعي في مناقشة كل القضايا. أن يثق كل الأطراف في أن إتمام أي تحول علي أسس شخصية ولأسباب شخصية (وزير يريد تهدئة الهجوم عليه رئيس تحرير يريد أن يترشح في الانتخابات البرلمانية في الشرقية.. مثلا).. إنما يعني أن ذلك سيكون أمراً هشًا بلاقيمة.. ويفقد الجانبان المصداقية حتي لو كانت غطاءً قشرياً. إن علي الجميع الانتباه إلي أن مثل تلك الأمور قد تعطي رسائل مضللة لو لم تبن علي أسس سليمة.. ومؤصلة.. وأخطر تلك الرسائل أن الدولة يمكن أن تخضع للابتزاز.. وأنها تسترضي من يقوم بذلك كما لو أنها تخشي شيئاً ما.. وهذا كلام غير صحيح. إن مايردده الصحفيون في تلك الصحف الخاصة بشأن المعالجات المتوازنة التي عليهم أن يقدموها لقرائهم.. بحيث لايكونون كما لو أنهم صحف قومية.. كما يقولون ويبررون مواقفهم وطريقتهم.. إنما هو باب خلفي يمنحهم القدرة علي الالتفاف والمخادعة في نفس الوقت الذي يكونون فيه قادرين علي أن يمارسوا نفس العبث القديم بعد استثناء قدر من ألعابه.. والتخلي عن استهداف أسماء بعينها لصالح أسماء أخري. والمعني، مرة أخري، أن الذي يريد أن يتحول.. فليتحول.. وهو ليس في حاجة إلي وساطة.. ولا عراب.. وليس عليه أن ينتظر ثمنا.. فإن كان صادقاً في نواياه فإن عليه أن يفعل ذلك من تلقاء نفسه.. ولنفسه.. وقد عاد المتطرفون عن أفكارهم بعد أن أدركوا حقيقة الخطايا التي ارتكبوها.. ولم يجبرهم أحد علي ذلك.. وهم بدورهم كانوا يسددون الطعنات لبنيان الدولة.. ولايعني هذا أنني أساوي بين الصحافة والتطرف.. ولكنني أشير إلي أن أقلاما في مصر ربما تكون قد أضرتها أكثر من أي تطرف آخر.. فبعض التطرف لايمكن أن يوجد بدون أقلام تعضده وتروج له. تعال في هذا السياق أضيف إليك مؤشرات وملاحظات أخري: أي تحول منهجي لابد له من دوافع.. فإذا سلمنا بأن الدولة غير مضارة مما يحدث من قبل تلك الصحافة الخاصة.. لأنها بالفعل(الدولة) تعرضت لأسوأ ما في جعبتها (جعبة الصحافة الخاصة).. ولن يكون هناك ما هو أسوأ.. بل اجترار لما تم فعله من قبل.. يكون بالتالي علي الراغبين في التحول من جانب الصحافة الخاصة أن يراجع دوافعه.. ولايمكن القول إن هناك رغبات جماعية في إعادة مراجعة النفس.. بل هناك رغبات فردية لدي بعض الأشخاص في إعادة التموضع علي الساحة لأسباب شخصية.. إذن نحن أمام مشروعات صفقات ذاتية علي قياسات محدودة لن تخلق اتجاها.. وإنما تعبر عن حالات أصحاب مصالح. إذا كان هؤلاء المتحولون أو الساعون إلي التحول أصحاب مواقع قيادية أو مؤثرة في منابر الصحف الخاصة.. من يضمن بقاءهم في مواقعهم بعد أن يتحولوا.. هذا إذا افترضنا أصلاً أنهم مسئولون عن مواقفهم.. وليسوا مجرد أدوات اختارت أن يتم اللعب بها.. لمن يدفع. حسنا.. إذا كان في يدهم أن يتحولوا أين تذهب كل هذه الأصوات والأقلام التي حشدوها طوال السنوات الماضية في صحفهم وحولها.. من يستوعبها.. هل سوف تتحول بدورها مثل قطعان الأغنام.. أم أنها سوف تخوض حرباً شرسة ضد المتحولين وضد من يعتقدون أنهم قد استوعبوهم؟! بالطبع هناك ضرر علي المجتمع من تلك الحالة التي تخلقها تلك الصحف الخاصة.. علي الرغم من ثبات الدولة في مواجهتها كما ذكرت.. ولكن الأفكار البسيطة التي تقوم علي مد اليد لهم إنما تتجاهل حقائق مهمة كثيرة.. وهي أن وجود تلك الصحافة الخاصة بكل ما فيها يؤدي إلي الاستماع إلي تنوع الأصوات في المجتمع حتي من ترغب في هدمه فوق رأس من فيه.. وبما في ذلك فوق رأسها هي. الحل الأمثل ليس هو مد اليد لشخص من هنا أو هناك.. وقد تكرر هذا من قبل بضع مرات.. وإنما تنمية الصحف القومية.. وتعضيد زخمها.. وسد الثغرات التي فتحت الآفاق أمام الطعن فيها.. علي المستويين المادي والمعنوي.. والمادي هنا لايعني المال.. وإنما يشير إلي ملابسات أخري لاداعي لذكرها.. فالثغرات المادية في بنية المؤسسات القومية خاصة الكبري التي فتحت الطريق أمام الفرص للصحافة الخاصة أكبر من أن تحصي. في كل الأحوال سوف تبقي معضلة أساسية لدي فصيل من هذه الصحف الخاصة.. حتي وإن كان هذا الفصيل له علاقات ما بالدولة.. وهي أنه يريد أن يتميز عن غيره بأنه يشتم الرئيس.. ولا ينتقده فحسب.. وإنما يمارس الاجتراء عليه.. ولو ترك هذا النهج سوف تنتهي فرص وجوده أصلاً.. وبالتالي أعتقد أنه (أي هذا الفصيل) لن يتحول.. أو لن يقبل عروض التحول.. وأن يقبل أن يبيع نفسه مقابل صفقة مالية كبري.. فقد جرت محاولتان من هذا النوع من قبل. (انتهت سلسلة المقالات ولم تنته القضية) Email:[email protected]