إعلانات مساعدة المحتاجين اجتاحت التليفزيون، الحكومي والخاص، ركز الصوت الذي نعرفه جيدا علي أن علينا مساعدة "المحتاج الحقيقي" وهو يعلن عن هذه الجمعية أو تلك التي استطاعت الوصول الي فقراء مصر، وحصرتهم وعلمت احتياجاتهم، وبالتالي فعلينا توجيه زكاتنا ومساعداتنا اليها، لا أدري كيف استطاعت أي جمعية في مصر كلها الوصول الي فقراء مصر وعمل حصر بهم فهذا ما لم تستطع حكومات مصرية متعاقبة. ولم تقدر عليه تماما وزارة التضامن الاجتماعي "الشئون الاجتماعية سابقا" حتي اليوم؟ لكنها الاعلانات التي لا نملك من التحقق منها حتي نساهم ونحن سعداء مرتاحون. أما بنك الطعام المصري فإعلاناته هو الآخر تغرقنا، ليس في التليفزيون الحكومي، وانما في القنوات الخاصة، ليست المصرية فقط، وانما العربية والخليجية تحديدا مثل قناة "روتانا خليجية" المتخصصة في تقديم كل ما هو خليجي والتي تفتح نوافذها في رمضان لتتسع للمسلسلات غير الخليجية. ومجمل اعلاناتها لا يزيد علي بعض السلع الفاخرة لمشاهديها مثل غطرة الرأس الرجالي التي تصنعها الآن بيوت الازياء والتجميل الفرنسية والايطالية مثل فرساتشي وايف سان لوران وغيرهما، ومثل معجون الاسنان الشهير في عبوة مختلفة ترشه علي اسنانك كالبارفان.. الخ.. فما الذي يحشر بين هذه الانواع اعلانات بنك الطعام المصري والفقراء الذين يقدم صورتهم علي الشاشة؟ لم أجد إجابة غير واحدة مؤسفة ولن اقولها. فالفقر ليس عيبا ولكن تعمد عرضه علي آخرين، بهذا الشكل، هو العيب، ما علينا، فالحديث عن الاعلانات اليوم سببه الصوت الذي تحدثت عنه في البداية، والذي لابد من التوقف عنده اليوم بعد نهاية شهر رمضان، وبعد نهاية مهلة الشهر لقناة "القاهرة والناس" التي اطلقها طارق نور في بداية رمضان معلنا انه يطلقها في رمضان فقط، ولكنه من خلال شاشتها اعلن امس فقط الجمعة 82 رمضان أن القناة ستستمر. وبالتالي تضاف الي قائمة القنوات المصرية الخاصة، سواء المنفردة أو الشبكات مثل المحور ورديم والحياة وبانوراما واوسكار.. فمبروك عليه - أي صاحبها - وعلينا، أما عليه فلأن مكاسبه من شهر التجربة كانت من القوة المعدية والمغرية ليصدر قرار الاستمرار في تجربة أثبتت نجاحها، أما علينا، فنحن كمشاهدين لا نطالبه الا بمجموعة مطالب، معقولة بعضها تحقق من خلال تجربة رمضان من خلال الايقاع السريع، والمواعيد المنضبطة للبرامج، واختيار مجموعة جديدة من المسلسلات، واطلاق مجموعة مثيرة من البرامج دخلت منها لبيوتنا وجوه جديدة من مقدمي بتقدم ومقدمات البرامج مثل رولا جبريل الايطالية ذات الاصل العربي وبرنامج "باب الشمس" الذي سطا علي اسم فيلم يسري نصر الله الشهير عن قضية فلسطين، وايضا برنامج "لماذا" للاعلامي اللبناني طوني خليفة الذي رأيناه يقدم مثله في LBC وبرنامج لميس الحديدي "فيش وتشبيه" بما قدمه طارق نور من برامج عرضت في قناته والقنوات المصرية الارضية جاء من كعكة الاعلانات التي برع في الحصول عليها، وفي تقديمها فهذا عمله الذي من الممكن ان نطلق عليه فيه اسما شاملا هو "الاعلانجي" أي رجل الاعلانات من الألف للياء. والالف هنا يعني انه يعمل في صناعة الاعلان وترويجه أما الياء فتعني انه يهتم بادوار اخري غير دور "صاحب الوكالة والمال والتاء تعني اهتمامات غير عادية" لا يلعبها من كان مثله عادة، مثل ترويج الاعلان فنيا، عبر صوته، وعلي حد علمي فهذه هي الحالة الوحيدة التي تحول فيها رجل مال واعمال لمنافسة ممثلي الاعلانات بصوته، وهي منافسة قديمة. فمنذ وقت طويل ونحن نسمع صوته علي اعلاناته، ولا يكتبونه علي الشاشة بالطبع، ولا نري صورته، ولكن الصوت له بصمة، وبالتكرار الطويل اصبحت له ألفة وكأنه صديقنا الذي يمسك الفهامة عن بعد لكي يسألنا ونحن داخل بيوتنا أسئلة مدهشة من نوع: ليه تدفع كتير وأنت ممكن تدفع قليل؟ وكان هذا السؤال اعلاناً عن سلعة، لا أذكرها الآن، لكنه كان يطلب منا وقتها التأكد من جودتها، وتوفير نقودنا، طارق نور استمر يعلن، ومال اكثر الي السلع الاستراتيجية، التي تتعلق بعلاقة الناس بالحكومة، وهو ما نلاحظه في الاعلانات عن حملات وزارة النقل ضد المقصرين والمهملين في القطارات، وعن حملات الاعلان عن صرف طن حديد لالاف الشباب مجانا وحملات الضرائب، واخيرا التمويل العقاري. وهي بالمناسبة أول حملة اعلانية "طبقية" في تاريخ التليفزيون ندرك منها ان المجتمع طبقات ودرجات كما يقول الاعلان الذي يقول للمشاهد في النهاية: هو انت بتسأل ليه؟ والسؤال الذي يجب ان نسأله لصاحب "القاهرة والناس" بعد أن أصبحت مستمرة هو: إلي متي سوف تعتبر هؤلاء المشاهدين المهتمين يستحقون التقدير والاحترام؟ صحيح أن من بينهم لا يستحق مسكنه السؤال عن القانون، لكنه كمواطن من حقه المعرفة، وصحيح أن بعضهم لا يحترم الملكية العامة، لكن الاكثرية تحترمها وتدفع الكثير وأغلبنا لا يماطل الضرائب لأنها تأخذ حقوقها من المنبع، لكن الاتهام العام علي الهواء يعيبنا جميعا ويوجه الينا كلنا تهمة التقصير.. فهل نحن مقصرون لهذه الدرجة يا سيدي والباقون من الملائكة؟ لماذا لا تكون عادلا بين الحكومة والمواطن.. ولو مرة واحدة.