هناك حسنات كثيرة للإدارة الأمريكية الحالية، وذلك علي الرغم من ظهور الرئيس باراك أوباما، أقله لدي البعض، في مظهر من فقد القدرة علي المبادرة ولم تمض بعد سنة علي دخوله البيت الأبيض. من بين هذه الحسنات اللجوء إلي لغة الحوار مع النظامين في سوريا وإيران والإصرار علي الأخذ والرد من أجل التوصل إلي حلول عملية للمشاكل العالقة بين واشنطن من جهة وكل من دمشقوطهران من جهة أخري. هل تنجح إدارة أوباما حيث اخفقت إدارة بوش الابن التي لم تستطع في أي وقت تقدير عواقب اندفاعها العسكري في هذا الاتجاه أو ذاك وتأثير ذلك علي نظامين مثل النظام الإيراني أو النظام السوري؟ طوال عهد بوش الابن الذي استمر ثماني سنوات، كان النظامان في سوريا وإيران علي استعداد مستمر لاستغلال أي هفوة يرتكبها الأمريكيون لتأكيد قدرتهما علي لعب أدوار علي الصعيد الإقليمي وأن لا مجال لتجاوزهما. يتبين مع مرور الوقت أن الفارق الأول بين إدارة أوباما وإدارة سلفه تكمن في الأسلوب وليس في الجوهر. لم تضع الإدارة الحالية شروطا محددة أمام دمشقوطهران طالبة تنفيذها ملوحة بالتجربة العراقية ومصير نظام صدّام حسين البعثي- العائلي علي غرار ما حصل في ربيع العام 2003 بعيد الاجتياح الأمريكي للعراق. وقتذاك، زار وزير الخارجية الأمريكي كولن باول العاصمة السورية وطرح سلسلة من النقاط طالبا تنفيذها علي طريقة القائد العسكري الذي يعطي أمرا إلي من هو دونه رتبة. لم يدرك بوش الابن والمحيطون به في تلك المرحلة إن حرب العراق ليست نزهة وأنه إذا كان من منتصر في هذه الحرب، فإن هذا المنتصر هو النظام الإيراني الذي دخل منذ فترة طويلة في تحالف استراتيجي مع النظام السوري وصل إلي حد تشكيل جبهة واحدة في مواجهة بغداد خلال حرب الخليج الأولي بين العامين 1980 و1988. كل ما فعله الأمريكيون في العام 2003 أنهم خاضوا حربا علي النظام العراقي بالنيابة عن إيران التي كان لديها حساب قديم تريد تصفيته مع نظام صدّام حسين الذي نقل العراق من حرب إلي أخري ومن كارثة إلي كارثة أكبر منها غير مدرك في أي لحظة معني موازين القوة إن علي الصعيد الإقليمي أو علي الصعيد الدولي. لم تقدم إدارة أوباما علي أي مغامرة عسكرية جديدة طوال السنة الحالية وليس ما يشير إلي إنها ستقدم علي مغامرة من أي نوع كان في غياب حدث مفاجئ في حجم عمل إرهابي كبير في الولاياتالمتحدة نفسها... أو افتعال إيران أزمة في منطقة الخليج أو اقترابها من إنتاج قنبلة ذرية. والظاهر إن إدارة أوباما لن تلجأ سوي إلي السياسية أو ما يسمي "القوة الرخوة" المعتمدة علي الدبلوماسية والبحث في المشاكل العالقة والسعي إلي إيجاد حلول لها تأخذ في الاعتبار امتلاك القوة العظمي الوحيدة في العالم لوسائل ضغط متعددة ومتنوعة تمارس علي سوريا وإيران وحتي علي إسرائيل التي تحاول أن تؤكد كل يوم أنها قادرة علي التحكم بالقرار الأمريكي في الشرق الأوسط. حتي الآن، اظهرت إدارة أوباما نضجا وصبرا كبيرين لا حدود لهما في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط، بما في ذلك الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربيةالمحتلة والملف النووي الإيراني والطموحات السورية التي لا حدود لها لنظام يهرب باستمرار إلي الخارج، إلي لبنان والعراق خصوصا، بسبب عجزه عن التعاطي مع أزمته الداخلية العميقة. ما يدعو إلي بعض التفاؤل، وإن في حدود معينة، إن المسئولين الأمريكيين الذين يتعاطون في شئون المنطقة يعرفون جيدا كيف التعاطي مع النظام الإيراني. يعرفون علي سبيل المثال إن الرد الذي أرسلته طهران إلي المجتمع الدولي والذي كان مفترضا أن يتناول برنامجها النووي، علي وجه الخصوص، تحدث عن كل مشاكل العالم مستثنيا البرنامج النووي الإيراني. وعلي الرغم من ذلك، تمسكت واشنطن بالحوار نظرا إلي أن المطلوب التوصل إلي صفقة ما مع طهران في حال كانت جادة في ذلك. الأمريكيون يعرفون تماما إن الهدف الإيراني من الرد كسب الوقت ليس إلاّ وأن السؤال في نهاية المطاف هل في الامكان عقد صفقة تناول البرنامج النووي أم لا؟ في غياب مثل هذه الصفقة، لا مفر من عمل عسكري أو ما شابه ذلك... في يوم ما. الحوار مستمر مع إيران، إلي إن تفقد واشنطن الأمل في عقد صفقة معها. المسألة مسألة أسابيع قليلة فقط. ولكن ماذا عن النظام السوري؟ هل يتغير أسلوب التعاطي الأمريكي معه، خصوصا بعد تفادي جورج ميتشيل المبعوث الأمريكي إلي الشرق الأوسط زيارة دمشق في إطار جولته الأخيرة في المنطقة. يظهر أن التغيير حصل بعدما تعمد مصدر أمريكي رفيع المستوي القول لصحيفة "الراي" الكويتية خلال وجود ميتشيل في المنطقة:" بعد مضي أشهر علي الحوار معه (الرئيس بشار الأسد)، لم يعدل قيد أنملة في سلوكه ولم يقدم لنا شيئا مما نطلبه. إنه يسألنا دائما ماذا يمكن أن نقدم له نحن تحت ضغط الابتزاز ووقوع حوادث في المنطقة... أمريكا لن تخضع للابتزاز السوري". لا شك أن هناك توجها أمريكيا جديدا تجاه دمشق. هناك تغيير في الأسلوب. هل يقتصر التغيير علي كيفية التعاطي مع النظام السوري أم يشمل ذلك إيران وإسرائيل؟ في كل الأحوال، هناك إدارة مختلفة في واشنطن. إدارة تعرف الشرق الأوسط جيدا بدليل وصفها الدقيق لتصرفات النظام السوري. السؤال هل تذهب بعيدا في تشريح الوضع في المنطقة ليشمل ذلك إسرائيل وإيران؟ ربما نحصل علي جواب من الرئيس الأمريكي نفسه في خطابه أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الرابع والعشرين من الشهر الجاري.