الأب شريف ناشف كاهن بكنيسة القديس كيرلس للروم الكاثوليك وقد سيم كاهنا منذ أشهر قليلة وفي هذا الحوار يحدثنا عن حياته قبل الكهنوت وبعده ويجيب عن السؤال الصعب حول هروب الشباب حاليا من السياسة الكهنوتية فدعونا نقرأ أفكاره. نريد أن تعرفنا بك أكثر؟ - اسمي شريف توفيق يعقوب الناشف من مواليد طنطا محافظة الغربية.. ابن وحيد لأسرة صغيرة من أب وأم يتميزان بالطيبة والحنان وحب الكنيسة.. الكنيسة الواحدة الجامعة وليست الكنيسة المقسمة.. كنت أخدم في كنيستي سيدة البشارة للروم الكاثوليك منذ صغري وأيضًا كنت أذهب لكنيسة القديس جاورجيوس للروم الأرثوذكس لحضور القداس وهي بالمناسبة كنيسة والدتي وزوجتي.. أكملت دراستي وتخرجت في كلية التجارة جامعة طنطا وبدأت العمل في مجال التجارة والمبيعات كسائر الشباب.. يومًا بعد يوم ازدادت رغبتي في الخدمة داخل الكنيسة التي اعتبرها بيتي الثاني والتي كانت تجمعنا كشباب في كل المناسبات ومن خلالها تعرفت علي زوجتي جيزال وتقاربنا حتي تم الزواج في عام 1998 وبنعمة ربنا أغدق عليا بهداياه أولادنا سيبال وكريستيان اللذين هما نور حياتي.. وبدأت الدراسة بمعهد اللاهوت بالسكاكيني لمدة 5 سنوات وكنت أسافر يوميا من طنطا إلي القاهرة لحضور المحاضرات.. ومع الأب رفيق جريش الذي كان مسئولاً عن الدعوات الكهنوتية بالكنيسة بدأنا سلسلة من الاجتماعات الأسبوعية تحضيرية وتعليمية وتأملية ونمارس فيها الصلوات الطقسية والليتورجية لنكون علي استعداد للرسامة.. وفي خلال هذه الفترة تركت عملي وبدأت العمل في جريدة حامل الرسالة والتواجد فيها بصفة أسبوعية من خلال العمود نصيحة ببلاش وبدأت أيضا التواجد داخل كنيسة القديس كيرلس بالكوربة بصفة يومية وانطلقت من خلال الخدمة والنشاط الشبابي والمؤتمرات والعظات مع الكثير من القراءات والاطلاع علي التفاسير المختلفة.. الكاهن الناجح ليس سوبر ماركت لبيع الأسرار الكنسية من زواج وعماد وجنازات ولكنه نهر متجدد لا ينضب أبدا فهو يرتوي بالروح ويروي بالكلمة.. علي فكرة الاجتماعات الأسبوعية أثمرت عن رسامة مجموعة من الكهنة مثل الأب جورج فايق والأب بولس قريط والأب يوحنا رامز وأنا والشماس الإنجيلي ماريو أبوضاهر الذي سيترسم قريبًا بإذن الله. لماذا يهرب الكثير من الشباب حاليا من العمل الرعوي والكهنوتي؟ - الكاهن طبيعة خدمته أن يكون مثلاً يحتذي به أمام الناس ودائما تسلط عليه الأضواء من خلال تصرفاته وكلامه وسلوكياته التي يجب أن تكون علي مثال الكاهن الأعظم يسوع المسيح.. الكاهن بشر ولكنه راعٍ والراعي قائد يبحث عن الضعيف والمفقود والمتألم والحزين ليضمه لحضنه ويحمل عنه أتعابه.. الشاب حاليا يريد أن ينطلق.. يسافر.. يصادق.. يضحك.. يبكي.. بدون حساب.. لا يريد قيودًا تحد من حريته.. يريد أن يكون مثل الفراشة التي تنطلق من وردة لوردة وهذا المفهوم الخاطئ انتقل للأسرة أيضا فنجد عائلات ترفض وتقاوم بشدة أن يتقدم ابنهم للكهنوت أو بنتهم للرهبنة. ما الذي تغير في حياتك قبل السيامة وبعدها؟ - إحساسي بعمل الروح القدس داخلي وقيادته لي في خدمتي بالكنيسة وخارجها وداخل بيتي أيضًا.. أشعر أنه كالظل الذي لا يتركني أبدًا.. أيضًا الرجاء المبني علي الإيمان الذي يجعلني علي ثقة تامة بمشيئة الرب وقدرته علي تحقيق ما أصبو إليه في الوقت الذي يراه هو مناسبًا وليس أنا.. هذا التغيير يجعل لديك حالة من الرضا والهدوء النفسي. هل كنت تنتقد أمورًا في الكهنة وبعد السيامة أصبحت تجد لها أعذارًا.. مثل ماذا؟ - ليس انتقادًا ولكن أمورًا تثير بعض التساؤلات.. علي سبيل المثال كنت أتعجب من حضور الكاهن حفلة زواج وبها موسيقي وتغير مفهومي بعد الرسامة فلماذا لا يحضر؟ يسوع بنفسه هو وتلاميذه والعذراء مريم حضروا عرس قانا الجليل وقام يسوع بأول معجزة أمام الجميع.. أيضًا كان داود مرنما ويحب الموسيقي.. الخطأ والعيب ليس في حضور الكاهن الحفلة ولكن في التصرفات غير المسئولة التي تجعله تحت القيل والقال.. أيضًا من الأمور الأخري يأتي بعض الأشخاص ليقابلوا الكاهن بدون موعد وفي وقت راحته فيرفض مقابلتهم فيحزنوا جدًا ويبدأوا في إطلاق الشائعات بأنه متكبر ومغرور ولا يقابل إلا المقربين له أو أصحاب المصالح.. كلام فارغ وغير صحيح.. الكاهن إنسان يحتاج بعد ساعات خدمته وتعبه أن يرتاح ليجدد نشاطه في خدمة رعيته والكاهن المتزوج عليه واجب نحو كنيسته الصغيرة أي أسرته وليس عيبًا أن ينظم الكاهن وقته إلا إذا كانت هناك أمور لا تحتمل التأجيل مثل مريض علي حافة الموت ويريد أهله أن يتناول ويمسح بالزيت أو حالة وفاة.. الكاهن ليس صيدلية مفتوحة 24 ساعة. كيف تري معاملة المجتمع المصري للكاهن؟ - الشعب المصري شعب طيب ومشاعره دافئة يحب ويخدم ويساعد بغض النظر عن الديانة أو الجنس.. والكاهن بالنسبة للمجتمع المصري هو فرد من أفراده له نفس الحقوق والواجبات.. في بعض الأحيان تحدث مناوشات واحتكاكات بسيطة تنتهي علي الفور بمفهوم المحبة لأن الله محبة.. يجب علي الكاهن أن يحتمل أعباء خدمته. ما رأيك في الخطاب الديني اليوم؟ - الخطاب الديني اليوم أصبح يترك الدين ليتكلم في الدنيا.. أصبحنا نتكلم عن بعضنا البعض أكثر مما نتكلم عن أنفسنا.. إن الكنائس والجوامع ليست أماكن مخصصة لتسييس الدين أو نشر الفتن والإشاعات هذه الأماكن للصلاة والعبادة.. إن ظروف الحياة تتطلب أن نكون كلنا يدًا واحدة وقلبًا واحدًا.. العمارة الواحدة يسكنها مسيحيون ومسلمون وإذا سمعنا صوت تأوه وألم نجري بسرعة في اتجاه الصوت بغض النظر عن الديانة لنكون في الخدمة.. وإذا سمعنا أصوات فرح نكون أول المهنئين.. اخوتي المسلمون يقولون: النبي وصي علي سابع جار والمسيحيون يقولون أحبب قريبك كنفسك.. والقريب هنا ليس قريبًا بصلة دم ولكن الذي يحتاج لخدمة تعرفه أو متعرفوش. ما الفرق بين الكاهن زمان والكاهن اليوم؟ - الكاهن هو الكاهن في كل زمان ومكان ولكن الاختلاف يكمن في الأسلوب والطريقة التي يستخدمها لتوصيل الكلمة وتثبيت إيمان الشعب المؤمن.. التكنولوجيا أصبحت وسيلة مهمة في يد الكاهن ليخاطب الرعية.. زمان الوسيلة الوحيدة لإلقاء عظة هي الكنيسة ويوم الأحد في القداس وإذا كان إنسان لديه تساؤل ديني ينتظر يوم الرب الأحد لسؤال الكاهن ولكن اليوم الإنترنت والإيميل والفيس بوك والشات كلها وسائل تساعد علي توصيل المعلومة بسهولة ولأكبر قدر من الناس.. كاهن اليوم يجب أن يعرف القليل عن الكثير في كل المجالات.. يجب أن يكون الكاهن والصديق والأخ والأب والأم في آن واحد.. كاهن زمان كلمته لا ترد واليوم أصبح الحوار هو الأساس والطفل الصغير يسأل في كل شيء.. أنا أتخيل لو المسيح جاء في يومنا هذا لحمل علي كتفه (اللاب توب) لأن مجاراة الفكر الحديث أفضل وسيلة لتثبيت المعلومة. ما ذكرياتك في شهر رمضان قبل الكهنوت وبعد الكهنوت؟ - أولاً أنا عايز أهنئ اخوتنا المسلمين بشهر رمضان أعاده الله علي الجميع بالخير والبركات.. شهر رمضان له ذكريات جميلة عندي فمنذ صغري كنا نتجمع مع شباب المنطقة التي أسكن فيها مسلمين ومسيحيين لا فرق بيننا ونذهب للنادي لنلعب الكرة حتي موعد المدفع لينطلق بعدها كل واحد لمنزله ليتناول طعامه مع أسرته وكنت حريصا في كثير من الأحيان أن أتناول طعاما في وقت المدفع أمام التليفزيون ونشاهد جميعًا الفوازير والمسلسلات. إحساس رائع بالشركة.. شركة أساسها المحبة بلا هدف ولا مقابل.. موائد الرحمن التي تقام للفقراء والمساكين وأطفال الشوارع تمثل الصيام الحقيقي.. الشعور بالآخر وباحتياجاته يجعل مني شريكًا لله في عمله.. في محبته.. أرجوكم لا تقولوا إن هذا مسلم وهذا مسيحي ولكن قولوا هذا إنسان.. أما بالنسبة لذكرياتي مع شهر رمضان بعد الكهنوت فلم تكتمل بعد لأن رسامتي الكهنوتية كانت في 30 يناير 2009 وهذا هو أول رمضان يمر علي وأتمني أن يكون خير للجميع. [email protected]