يحكي أنه كان يوجد ببلاد الحيرة إسكافي شهير اسمه (حنين).. وذات يوم دخل أعرابي إلي دكان حنين ليشتري خفين (والخف هو ما يلبس في القدم مثل الحذاء في عصرنا الحالي).. وأخذ الأعرابي يساوم (حنينا) مساومة شديدة، ويغلظ له في القول، حتي غضب حنين، ورفض أن يبيع الخفين للأعرابي.. فاغتاظ الأعرابي، وسبّ "حنينا" وعنفه بشدة، ثم تركه وانصرف. صمم حنين علي الانتقام من الأعرابي.. فأخذ الخفين، وسبق الأعرابي من طريق مختصر، وألقي أحد الخفين في الطريق، ومشي مسافة، ثم ألقي الخُفّ الآخر، واختبأ ليري ما سيفعله الأعرابي.. فوجئ الأعرابي بالخف الأول علي الأرض فأمسكه، وقال لنفسه: (ما أشبه هذا الخُف بالخف الذي كنت أريد أن أشتريه من الملعون حنين، ولو كنت أجد معه الخف الآخر لأخذتهما.. لكن هذا وحده لا نفع فيه.) ثم رماه علي الأرض ومضي في طريقه.. وإذا به يعثر علي الخف الآخر، فندم لأنه لم يأخذ الأول، وعاد ليأخذه.. ولكنه ترك راحلته بلا حارس.. فتسلل حنين إلي الراحلة وأخذها بما عليها، فلما عاد الأعرابي بالخفين لم يجد الراحلة، فرجع إلي قومه. ولما سألوه: بماذا عدت من سفرك؟ أجاب: (عدت بخفي حنين). وهذه هي قصة خفي حنين التي لا يعرفها كثيرون منا حتي إن استخدموا التعبير المجازي وهم يعلمون مغزاه.. وكما كنا نتحدث عن (شرابة الخرج) يوم الجمعة الماضي، وكيف أنها تحيط بنا من كل جانب، هكذا أيضا خفي حنين نعود بهما من أماكن عديدة.. نعتقد أننا سنغزو هذا المكان أو نكسب تلك المعركة.. ولكننا نعود بخفي حنين. طالب الثانوية العامة الذي يحفظ ويسترجع الكتب لمدة عامين دراسيين متصلين، ثم يحصل علي مجموع كبير أو كان يعتبر كبيرا منذ سنوات ليست بعيدة، يذهب إلي مكتب التنسيق ليعود بخفي حنين أي بكلية لم يكن يصبو إليها وقد ذهبت عنه راحلته ولم يوصله مجهود العامين إلا لخفي حنين. وخريج الجامعة- وأحيانا يكون من الحاصلين علي شهادة تخرج من إحدي كليات القمة- يتقدم للحصول علي عمل هنا مرة وهناك مرة، وفي كل مرة يعود بخفي حنين.. والمسافرون عبر المراكب ليغزوا الأراضي الأوروبية ويعتقدون أنهم سيعملون ويتكسبون، يعود، من يعود منهم، بخفي حنين وقد خسر ماله ولم يكسب شيئا إلا- ولله الحمد - حياته التي لا تساوي في نظره أكثر من خفي حنين. أما في الحياة اليومية فنعود بخفي حنين عندما لا نجد مكانًا نترك فيه السيارة فلا نستطيع بعد ثلاث ساعات من الذهاب إلي مكان قضاء المصلحة الذي نقصده وقد أخذنا إجازة من عملنا حتي نقضي تلك المصلحة.. ونعود بخفي حنين من السينما أحيانا، ومن ال (shopping أحيانا، ومن مقابلة بعض الأصدقاء، ومن اتباع نظام غذائي وتمارين لفقدان الوزن، ومن رحلات قراءة الصحف، وقطعا نعود من الأحلام أيضا إلي الواقع بخفي حنين.