من التجارب الجديدة والمختلفة والكاشفة عن قدر كبير من الوعى ما حدث فى هذه الدورة من مؤتمر عن الجرائم الثقافية والفكرية لجماعة الإخوان الإرهابية وشركائها من المتطرفين والتكفيريين من الجماعات الأخرى، هذا المؤتمر الذى كان بالشراكة بين دار سما للنشر والتوزيع وهيئة الكتاب، فقد جاء بمبادرة واقتراح من الناشر الأستاذ محمد عبد المنعم الذى يقدم نموذجا مثاليا للناشر المستشعر للمسئولية ولا يقف مكتوفا أو يدعى الحياد فى هذه الأمور المصيرية مثل كثير من الناشرين الذين قد لا تعنيهم غير الأرباح، والحقيقة أن الناشر المحترم يجب أن يكون بفطرته ضد الرجعية والإرهاب، بل يجب أن يكون معاضدا للدولة فى مواقفها التنويرية ومواقفها فى محاربة الرجعية والتصدى للأفكار الإرهابية والتكفيرية لأن مع الظلام لن يكون هناك أى مجال للقراءة أو الكتابة أو الإبداع بأى صورة من الصور، ولهذا فإن هوية مصر الثقافية والإبداعية يجب أن تكون مسئولية الجميع، ومسئولية كل عاقل يقدر عواقب الأمور ويعرف ما يمكن أن تؤول إليه الحالة إذا ما كان هناك تعاون ضمنى بين النشر والرجعية أو أن يستولى الرجعيون على حركة النشر ويتم إفساح المجال لهم بدعاوى زائفة مثل حرية الفكر أو الإبداع، فهم بالأساس لا يقدمون فكرا، ولا يمكن لعاقل أو مثقف حقيقى أن يعتبر كتب التكفير وكتب الخلافة الإسلامية وكل هذه المشاريع المضللة والخادعة كتب فكر أو وجهات نظر تقابل بالرأي، نعم تقابل بالرأى لدى السذج أو حسنى النية أو المغرر بهم والمخدوعين، أما إذا كان الأمر ممنهجا من بعض دور النشر ويكون مقصودا وله استراتيجية تهدف إلى هيمنة هذا الفكر الراغب فى إزاحة الفكر المدنى والطبيعى والإنساني، فإننا إذا ما اكتمل هذا المخطط الإخوانى الناعم سنجد أنفسنا ضحية لمصادرات هؤلاء الرجعيين وسيفرضون تصوراتهم ومفاهيمهم بشكل كامل، ولن تكون هناك شراكة لهم مع أى فكر آخر من أى نوع، فالعاقل وصاحب التجربة يدرك جيدا أن أفكار هؤلاء الرجعيين الظلاميين أصحاب المشاريع الوهمية لا يمكن أن يقبل الشراكة أو الامتزاج والتلاقح مع أى فكر آخر، فهم بالأساس أحاديون وليس لمشروعهم غير وجه واحد معروف وراسخ، بل إن حتى تعاونهم وشراكتهم مع الجماعات الدينية الأخرى مثل بعض السلفيين وخاصة السلفية الجهادية هو تعاون وشراكة مؤقتة ليس أكثر، هو ارتباط إلى حين يتغلبون، وبعدها يفرضون وجهة نظرهم. مؤلفات الجماعة الإرهابية
فى ورشة مهنية ضمن هذا المؤتمر عن مؤلفات الجماعة الإرهابية شاركت فيها كانت هناك مشاركات ثرية ومهمة قدم فيها مداخلات مهمة كل من خالد حنفى رئيس تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون وهشام النجار الصحفى والباحث بالأهرام والمختص بشئون الجماعات والصحفى والروائى مصطفى عبيد والكاتب والباحث عماد عبد الحافظ، وأدار هذا اللقاء الكاتب والناشر بهاء الحسيني، والحقيقة أنى استفدت منها وأتمنى أن يكون قد تم تغطيها بشكل جيد ونشر مضمونها ومخرجاتها للناس، ولكن خوفا من ضعف التغطية أحاول أن أقوم بهذا الدور هنا، فقد كانت مناقشات الحضور وإضافاتهم مهمة، وقد جاء الحديث أولا عن الأدوار المستمرة لجماعة الإخوان، واستمرارهم فى محاولة اختراق الحياة الثقافية والفكرية ورغبتهم فى التغلغل الاجتماعى وتزييف الهوية المصرية التى يبدو جليا أن بينهم وبينها عداء صريحا، وكأن مصر بكل ما فيها من علم وفن وثقافة قد صارت عدوهم اللدود الذى يقف بقوة فى مواجهتهم، وأن أدوار الجماعة تتنوع وفيها إصرار ويعملون دائما فى الخفاء بقوة، بل إن قوتهم الأساسية فى حالة التخفى أو عدم الوضوح وأن العمل السياسى الواضح يكشفهم ويفضح قدراتهم المحدودة ونواياهم الفاسدة ويفضح أطماعهم غير المدعومة بالموهبة أو الذكاء، ولهذا فإن الوضعية المناسبة لهم هى التخفى أو العمل غير المباشر أو الذى يتأسس على المناورة. وتحدث فى تفاصيل هذا مطولا الكاتب الصحفى خالد حنفى باستفاضة واقتدار فى حدود الوقت المتاح، ثم تحدثت بعده وبشكل طبيعى ودون تنسيق كان هناك اتفاق على هذه النقاط الجوهرية، فوضعية التخفى التى أشار إليها الأستاذ خالد حنفى كانت هى الأكثر مناسبة لما طرحت حول استراتيجياتهم فى الثقافة والإبداع الأدبى من بث رسالة خفية وغير مباشرة، ومحاولة التحصن وراء حرية الإبداع والكتابة الأدبية، وأشرت كذلك إلى استراتيجيتهم لاستغلال الندوات والصالونات والفاعليات الأدبية والثقافية المختلفة من أجل التحلق حول بعضهم وحتى لا يتشتتوا ويكون ضياعهم، فهم يحاولون تنظيم صفوفهم ومحاولة التماسك والانتظام من خلال فاعليات وأدوار غير مباشرة فى شكلها السياسي، وهكذا اتجهوا بقوة إلى تأسيس العديد من الفاعليات والصالونات والتحلق حول كثير من الأسماء المتعاونة معهم أو الأسماء التى يلتبس عليهم الأمر، واعتمدوا كذلك على منح بعض الأدوار للخلايا النائمة أو المنتمين لهم ولو فكريا من غير الظاهرين أو المعروفين اعتمادا على أن هذا كله يأتى فى سياق الثقافة ومناقشة الإبداع الأدبي، وأشرت كذلك إلى أدوارهم فى صياغة وعى أدبى معين وجديد يتناسب مع خطتهم فى ترسيخ الرجعية وملء فراغات متروكة فى الثقافة المصرية وشغلها حتى لا يتم ملؤها من التنويريين أو من أصحاب الدور الحقيقي، وأشرت إلى استغلالهم لشكل معين من الأدب يتمثل فى بعض أوجه الرواية التاريخية التى تمجد فى العثمانيين أو تمجد فى العصور الإسلامية القديمة دون توضيح أو دون إبراز للجوانب الإنسانية بشكل كامل، بل بتركيز على التفوق فى الحروب والغزوات وقد كانت كلها فى المجمل حروبا تقليدية بالسيوف، فيركزون على أبطال من هذه النوعية ويمجدون فى الماضى بشكل مطلق ودون تبرير، بل بظلم وابتسار واختزال للحضارة الإسلامية الماضية فى أن تفوقها تأسس على القوة، فى حين أن هذا غير حقيقى على الإطلاق، لأن الحضارة الإسلامية لها أوجه عديدة وقد كانت متفوقة فى مناح كثيرة وأولها أنها كانت ذات انفتاح على الآخر وتسامح واشتغال كبير بالعلم والمعرفة والترجمة ومنحت الفنون والآداب حريات كبيرة، وأبرز وأقوى العصور الإسلامية هى العصور العباسية وعصور دولة المماليك فى مصر وقد كانت هاتان الإمبراطوريتان أقوى بكثير من الدولة العثمانية التى يمجدها الإخوان ويغالطون فى كتابة التاريخ، وهذا ما أيدنى فيه وأكده بإشارات كثيرة الأستاذ هشام النجار فى كلمته المهمة، التى تحدث فيها عن العثمانيين الجدد وعن إسناد الإخوان كتابة التاريخ لبعض الأسماء المزيفة مثل راغب السرجانى وغيره ممن اختزلوا التاريخ فى رسالة معينة وانتقوا أشياء تخدم رؤيتهم وترسخ فكر العنف والقطيعة مع الآخر وترسخ لكثير من الأفكار التكفيرية ولا ترى التاريخ بشكل إنسانى ومتحضر مثلما حدث فى كتاباتهم وترجمتهم وتفاسيرهم ورؤيتهم للسيرة النبوية، وقد أشار هشام النجار فى كلمته إلى مشروع فى غاية الأهمية عن ضرورة أن يكون هناك جهود مؤسسية للدولة وللمؤسسات التعليمية والفكرية والثقافية، وأن تضطلع بإعادة طرح السيرة النبوية بوجهها الحضارى والإنسانى وتقديم الفكر السليم وهناك دراسات فى هذا الصدد ولكنها جهود فردية، وأشرت أنا كذلك فى كلمتى إلى استغلالهم لحالة الضعف التى يمكن أن تكون فى النقد فهم يستبدلون بالنقد الجمالى والفنى نقدهم هم القائم على الوصاية الدينية ويقوم على التحريم، وينصبون من أنفسهم قضاة يحكمون على الأعمال ويمنحون الثقة لأولاد الجماعة فقط وأنهم يدعمون الأدب غير المصرى بدرجة كبيرة ليس من منطلق إنسانى أو جمالى بل على أساس الانتماء والولاء والأفكار المغذية لمشروعهم، ويمكن بشكل عام القول بأن لديهم تكملة لمشروع الأدب الإسلامى الذى كان اختراعا خاصا بهم ورسخوه وكتب فيه كثيرون من نقادهم أو المنتسبين للأكاديمية من رجالهم الظاهرين والمتخفين، وأنهم يعتمدون على استراتيجية تسخير كافة الأدوات والعوامل المساعدة والإفادة منها حتى وإن لم تكن تعلن الانتماء لهم، فالأهم هو النتيجة والتأثير، والطريف أنهم يصرفون أموالا طائلة لدعم هذا الأدب ولاختراق الحياة الثقافية عبر الندوات والفاعليات أو عبر دور النشر ومنافذ التوزيع الخاصة بهم، وهكذا يبدو وجود الجماعة الإرهابية وقد تمدد فى الحياة الثقافية بشكل غير طبيعى تعويضا عن انحسار حضورهم وأدوارهم المباشرة فى الحياة السياسية، وربما يكون هناك توجيه وراء هذا من المحركين الخارجيين الذين يوجهونهم ويقدمون لهم النصائح والاستشارات فى بعض الدول فى أوربا وأمريكا. ولهذا ربما يكون من غير الدقيق الاقتصار فى تتبع أفكارهم على الكتب الدينية فقط، بل إن جهودهم فى الأدب والروايات ربما يكون الأكبر والأكثر، وهناك فارق جوهرى فى التأثير أشرت إليه وأكدت عليه بين الطريقة التقليدية فى ترسيخ الأفكار وهى الكتب الدينية وبين الطريقة الجديدة فى استغلال الكتابات الأدبية، وهو أن الخطاب الأدبى يشتغل على الوجدان ولها فإن تأثيره يكون أعمق وغير مباشر ويعمل على مساحات اللاوعى ويمكن أن يصنع تحولا جذريا فى المتلقى دون أن يشعر، فضلا عن أنه واسع الانتشار ويؤثر فى بعضه، فالأدب الرديء أو الموجه يمكن أن يرسخ لتيار واسع وعريض من الرداءة والذوق الفاسد ويمكن أن يصنع قوانين وقواعد جديدة أساسها فساد الذوق وتجرف الإبداع الأدبى من جوهره الإنسانى ومن سمته العام القائم على الشراكة بين البشر ولا يفرق على أساس الدين أو العرق أو يكون له تحزبات وعصبيات، فالأدب يحمل الهوية والخصوصية بشكل طبيعى وعفوى ودون قصد، لكنه يبقى فى جوهره قابلا لأن يجد فيه كل البشر أنفسهم وأن يكون قابلا لتمثيلهم، ولهذا دائما ما يكون الأدب الجيد قابلا للترجمة، أما الأدب الذى يريدون ترسيخه فهو أدب لا إنسانى ويصنع حدودا فاصلة بيننا وبين الآخر وينطلق دائما من الوصاية على الإنسان حتى فى آلامه وحزنه، فبعض الآراء المتشددة تجد أن الإنسان يكون مذنبا إن هو حزن أو بكى أو تملكه الحزن والألم أمام موت أحد أحبابه مثلا، وهكذا تكون معاييرهم بشكل عام بعيدة عن السمت الإنسانى العام، لا يشعرون بالتعاطف ولا يبغون الجمال ولا يقصدون إلى شيء من السعادة والترويح على النفس بأكثر مما يرون فى مشاريعهم الوهمية وأحلامهم المكذوبة.
تجارب داخل الجماعة
وفى مشاركة الباحث عماد عبد الحافظ وشهادته التى أدلى بها فى هذه الورشة حول تجربته داخل الجماعة الإرهابية كانت هناك إشارات مهمة جدا حول طريقتهم فى تربية أتباعهم وتعليمهم أو غرس الأفكار الإرهابية فيهم وصياغة عقلهم والسيطرة عليهم، وأشار إلى عدد من الوسائل والطرق التى يتبعونها كما أشار إلى عدد كبير من الكتب التى يقررونها ويميلون لأن يقرأها هؤلاء الأتباع المخدوعون، وإن كان قد أكد على كونهم لا يميلون للقراءة بشكل عام وأنهم يعتمدون الأساليب العملية فى التربية بدرجة أكبر ويركزون قبل أى شيء على التبعية المطلقة والسمع والطاعة وأن هذه المعايير هى الأهم فى مبررات تصعيد قياداتهم داخل التنظيم، وأنهم يلغون الهوية الفردية للشخص ويركزون على الهوية الجماعية، ويحاصرون التابع أو المنتمى لهم بكافة أشكال الحصار من النواحى الاجتماعية والاقتصادية فيكون الزواج والعمل والتربح والأصدقاء داخل الجماعة، ولا يتركون أتباعهم يتعرضون لأى مؤثرات خارجية يمكن أن تتحكم فيهم أو تنبهم أو تجعلهم يعملون عقولهم، وبدا واضحا لنا ونحن نستمع لعماد عبد الحافظ أنه تحرر منهم حين بحث عن ذاته وقرر أن يقرأ أكثر وأن يعمل عقله هو فى كافة الأسئلة وألا يأخذ كلامهم مسلما به، وقد أشار إلى أن القرب منهم فى تجربة السجن مكنته من أن يرى الصورة بشكل أوضح وبدون تزييف فرأى خدعهم وأكاذيبهم ومشاكلهم الأخلاقية وما يتسمون به من الرياء والخديعة وأنهم فى النهاية أعضاء فى تنظيم يبحثون فى الأساس عن الترقى فى هذا التنظيم والصعود فيه.
أفكار التنظيم
المهم أن هذا المؤتمر الذى تحدد لأول مرة على هامش معرض القاهرة الدولى للكتاب فى دورته الثالثة والخمسين يمثل تجربة مختلفة وجديدة ومهمة إلى أقصى حد، ودالة على وعى كبير بمخاطر الفكر الإرهابى وكتبه الكثيرة المنتشرة بقوة ومدعومة فى النشر ويدل هذا المؤتمر على أن هناك تركيزا على نوعية ما يتم نشره وتركيز على مخاطر الكتب ومخاطر الكتب والغزو الفكرى أخطر بكثير من الغزو المباشر أو الاعتداء بالسلاح، فهو يمهد لأى نوع من الغزو، والخطير فى كتب الإرهاب أنها بالأساس تتناقض تماما مع الهوية وتفتت الانتماء وتشكل تهديدا لا شك فيه للأمن القومى المصري، ذلك لأن هذا مما تم الاتفاق تماما على كونه من استراتيجيات حروب الجيل الرابع أو الحروب غير التقليدية، التى تسبق فيها الأفكار وتعمل على خلخلة البينة الاجتماعية، وليس من المنطقى أو المقبول أن نرضى بأن يكون معرض القاهرة الدولى للكتاب مجرد سوق للكتب وهو أقدم وأعرق معرض كتاب فى المنطقة ولم يكن فى يوم من الأيام منذ تأسيسه هكذا، أو أن تكون ندواته مجرد فاعليات محلية وإقليمية مغمورة لكتاب ليس لهم أثر حقيقى احتشدوا وفرضوا أنفسهم بقوة الجموع والصوت المرتفع وليس نتيجة للأثر الثقافى الحقيقى أو الفاعلية الثقافية، فلا يعقل أن يكون مفرغا من مضمونه الحقيقى بسبب هذه الندوات الشكلية كما كان يحدث فى السنوات السابقة منذ 25 يناير 2011، والطبيعى هو أن يكون معرض الكتاب ملتقى كبيرا ومحفلا ثقافيا وفكريا عظيما، فأمور بيع الكتب وشرائها ليست هى الأساس ذلك لأن البيع والشراء لا يتوقف طوال العام بل أصبح الآن غير مقصور على البيع التقليدى وأصبح هناك وسائل توزيع جديدة منها الكتاب الإلكترونى والصوتى الذى يتم الحصول عليه عن طريق الوسائط الحديثة، ولذا إن المعرض بالأساس محفل ومنتدى ثقافى ضخم، ويجب أن يكون هذا هو الأساس فى تنظيم الندوات، وهذا المؤتمر مختلف ويجب أن يستمر ويتطور ويكون له رعاة وشركاء كثر، مثل رابطة للناشرين الوطنيين مثلا أو بعض المراكز البحثية الوطنية مثل مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية وربما بعض الأكاديميات، وأن يتم استقطاب مفكرين ومجددين تنويريين كبار من بعض الدول العربية الأخرى وهناك أسماء كبيرة فى العراق والمغرب العربى والخليج كذلك، وأن يحظى هذا المؤتمر فى الدورات القادمة برعاية خاصة وتنظيم أكبر. 2999