حاصرت الاحتجاجات الشعبية فى تونس مكتب زعيم حركة النهضة الإخوانية رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، وسط هتافات مناهضة له ولأنصاره. وتحت شعار «لا للإرهاب بمجلس النواب»، احتجت رئيسة الحزب الدستورى الحر، عبير موسي، ونوابها أمام مكتب الغنوشى. المحتجون جابوا أيضا فضاءات المجلس، محملين النهضة ورئيسها مسئولية العنف الذى تعرضوا له خلال فض اعتصامهم أمام مقر الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين فرع تونس. وقالت عبير موسى رئيسة الحزب الدستورى الحر، فى تصريحات صحفية إن النهضة تتحمل مسئولية الضرب والتعنيف والتهجم الجسدى واللفظى الذى نفذه الأمن ومساندو ونواب حزبى ائتلاف الكرامة والنهضة ضدهم وضد الصحفيين ليلة فض الاعتصام. واعتبرت أن تواصل نشاط الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين فى تونس هو «فضيحة» تتحملها حكومة هشام المشيشى. وتوعدت بمواصلة التحرك فى كل المحافظات من أجل فضح الممارسات الإخوانية ونزاعاتهم الإرهابية فى البلاد منذ 10سنوات. وأعلنت رئيسة الحزب الدستورى الحر أن ستنظم فى 20 مارس الجارى، تاريخ إحياء ذكرى الاستقلال التونسى من المحتل الفرنسي، مسيرة ضخمة فى محافظة صفاقس للتنديد بممارسات الأخطبوط الإخوانى الإرهابى. وكانت موسى قد خاضت منذ شهر نوفمبر اعتصاما مفتوحا أمام مقر الاتحاد الذى يرأسه الإرهابى يوسف القرضاوى، للمطالبة بوقف نشاطه وفتح الحسابات البنكية للتنظيم وعلاقته بالإرهاب.
انتهاك حرية الرأى والتعبير
ولاقى اعتصام الدستورى الحر مساندة مدنية فى تونس من قبل عديد القوى السياسية، حيث أصدر المرصد التونسى للدفاع عن الدولة المدنية (مستقل) بيانا ندد خلاله بمواصلة عمل اتحاد القرضاوى فى البلاد. واعتبر المرصد أن فض اعتصام الدستورى الحر بالقوة الأمنية يمسّ من الحق فى التعبير والاحتجاج. وأكدت عدد من الصحف التونسية، أن الإطاحة براشد الغنوشى رئيس مجلس النواب التونسى، زعيم حركة النهضة – إخوان تونس- من رئاسة البرلمان تقترب للنصاب القانونى. وقال زهير المغزاوى، الأمين العام لحركة الشعب، إن أعضاء الحركة، وقعت على لائحة سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب للمرة الثانية، لأن راشد الغنوشى غير قادر على إدارة البرلمان، ويعتبر أن البرلمان هو حركة النهضة، وفق قوله. وأضاف المغزاوى: «نحن اليوم أمام رجل يمثل أحد أسباب الصراع داخل البرلمان» معتقدا أن سحب الثقة من راشد الغنوشى سيغير طريقة عمل المجلس نحو الأفضل، مؤكدا أن عريضة سحب الثقة من راشد الغنوشى وصل ل100 توقيع والنصاب القانونى يحتاج إلى 109 توقيعات».
الضغوط تحاصر «النهضة»
وتتزايد الضغوط على رئيس حركة النهضة التونسية، ورئيس البرلمان راشد الغنوشى، بعد تزايد عدد التوقيعات التى يتم جمعها من قبل نواب البرلمان التونسى للإطاحة به من رئاسة البرلمان، فمع استمرار الأزمة التى تحيط بسياسة رئيس حركة النهضة فى تونس، راشد الغنوشى، وقع أكثر من 100 نائب على لائحة سحب الثقة من رئيس البرلمان. يذكر أنه سبق أن واجه زعيم حركة النهضة خطر الإبعاد من منصبه فى يوليو الماضى، عندما تقدمت 4 كتل نيابية بلائحة لسحب الثقة منه، أسقطها البرلمان فى جلسة عامة، بعد تصويت 97 عضوا ب«نعم» بينما عارض اللائحة 16 نائبا، فيما اعتبرت 18 ورقة ملغاة، إذ يعود الفضل فى بقاء الغنوشى على رأس البرلمان إلى حليفه حزب «قلب تونس». ولا تزال واقعة مطار تونسقرطاج الدورى مثيرة للغضب والاستياء بين الأوساط الشعبية والسياسية فى تونس، وسط مطالبات بالتصدى للممارسات «العنيفة» لائتلاف الكرامة المقرب من حركة النهضة، بل وحديث عن إمكانية حل الائتلاف. وأذنت النيابة العمومية فى تونس بفتح تحقيقات على خلفية الأحداث التى شهدها مطار تونسقرطاج، الاثنين الماضي، حيث تهجم عدد من نواب ائتلاف الكرامة على الأمن من أجل تسفير سيدة محل متابعة أمنية «بالقوة»، فيما وضعت النيابة السيدة أمام أنظار القطب القضائى لمكافحة الإرهاب. وكانت النقابة الجهوية لأمن مطار تونسقرطاج قد أكدت فى تصريحات إعلامية، أن مساندين لائتلاف الكرامة «قاموا باستفزازات لا أخلاقية» تجاه الوحدات الأمنية فى محاولة لتوريطهم، بعد أن تم منع السيدة من السفر على إثر مراسلة إدارية من وزارة الداخلية، لأنها «محظور سفرها»، غير أنها أرادت المرور بالقوة وساندها فى ذلك رئيس ائتلاف الكرامة النائب سيف الدين مخلوف وعدد من أنصاره. الحادثة كانت محل استهجان واسع من المواطنين ومنظمات المجتمع المدنى والسياسيين، فتتالت ردود الفعل المطالبة بوضع حد لتصرفات كتلة الكرامة الموالية لحركة النهضة، التى تأتى سلوكًا يخرج عن القانون وتمارس التهجم والعنف داخل البرلمان وخارجه. ودان الاتحاد العام التونسى للشغل فى بيان له، ما سماها «الهمجية» التى «تصرف بها أعضاء من كتلة الإرهاب» فى وصفه لكتلة ائتلاف الكرامة، واعتبر «ما قاموا به تلبسا يستوجب رفع الحصانة حالا، وتتبع المعتدين قانونيا».
أزمة خانقة
وقال الاتحاد فى بيانه إنه «فى الوقت الذى تغرق به البلاد فى أزمة سياسية خانقة وتنحدر إلى حافة الهاوية اقتصاديا واجتماعيا، وفى الوقت الذى يعانى التونسيات والتونسيون من الغلاء والاحتكار وغياب أدنى مرافق الحياة، وفى ظل تفشى وباء كورونا وتعطل استيراد اللقاحات، تمعن كتلة ائتلاف الكرامة وحلفاؤها فى التغطية على المأزق الذى أدخلوا فيه البلاد، وتواصل لعبة إلهاء الناس عن مشاكلهم الحقيقية، ولا تتردد فى الاعتداء على الأحزاب والمنظمات وأجهزة الدولة والتطاول على القانون». فيما اعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان جمال مسلم، فى تصريح صحفى، أن ما فعله مخلوف «تجاوز لصلاحيات نائب شعب، ونوع من الدعاية من أجل الرصيد الانتخابى المقبل». ورغم أن الرابطة تطالب بمراجعة القرارات الأمنية الشبيهة بذلك الذى منع السيدة من السفر، لأن كثيرين تعرضوا للظلم بسببها حسب وجهة نظره، فإن مسلم يرى أن «ذلك لا يمكن إثباته إلا عبر الآليات القانونية، التى تقتضى التظلم لدى المحكمة الإدارية، خاصة أن المسألة تهم الأمن الوطنى الداخلى والخارجى لتونس، ووحده القضاء يمكنه البت فيها». كما دعت الحقوقية والمستشارة الرئاسية السابقة سعيدة قرّاش فى تدوينة لها، إلى «تطبيق القانون على مخلوف ونواب ائتلاف الكرامة، على خلفية الفوضى التى شهدها مطار تونسقرطاج بسبب اقتحامه من طرفهم». وقالت قراش إن «الفصل 69 من الدستور ينص على أنه إذا اعتصم النائب بالحصانة الجزائية كتابة، فإنه لا يمكن تتبعه أو إيقافه طيلة مدة نيابته فى تهمة جزائية ما لم ترفع عنه الحصانة، أما فى حالة التلبس بالجريمة فإنه يمكن إيقافه». الاتجاه ذاته ذهب إليه حزب التيار الشعبي، الذى طالب فى بيان برفع الحصانة عن «كتلة الإرهاب» وفق تعبيره، ودعا لتتبعها قضائيا، ودان هجوم ائتلاف الكرامة على مطار تونسقرطاج ومساندته لتونسية ممنوعة من السفر جراء شبهة الإرهاب.
مطالبات برفع الحصانة
وطالب الحزب «مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية وعموم الشعب بضرورة اليقظة والحذر أمام حالة الهيجان التى تعيشها النهضة وأذرعها البرلمانية والإعلامية والأمنية، نتيجة قرب انكشاف الملفات الإجرامية الخطيرة وتورطهم فى منظومة الفساد والإرهاب لسنوات»، معتبرًا أن «أهداف هذه الجماعات الإرهابية إضعاف الدولة وتفكيكها». وفى السياق ذاته، دعت كتلة الإصلاح داخل البرلمان النيابة العمومية ل«التدخل الفورى إثر الجريمة التى ارتكبها مخلوف فى مطار تونسقرطاج»، وعبرت عن «تضامنها المطلق مع الأمنيين بالمطار وكل العاملين فيه الذين تعرضوا للاعتداء والتهجم والمنع من ممارسة عملهم بما يمليه عليهم واجبهم المهني، فى حماية الوطن من الإرهابيين والمجرمين والعابثين بأمن الدولة». ودعت الكتلة النيابة العمومية إلى «التدخل الفوري»، باعتبار ما حصل «جريمة تم ارتكابها فى حالة تلبس واضح، ينتفى معها التمسك بالحصانة البرلمانية وفق أحكام الدستور والقانون». كما اعتبر النائب عن الكتلة الديمقراطية سالم لبيض، أن ما أتاه نواب ائتلاف الكرامة «فضيحة وجريمة دولة يسأل عنها رئيس الحكومة هشام المشيشى»، ووصفهم ب»الدواعش الجدد الذين يدمرون ما تبقى من الدولة». وقال لبيض فى منشور على صفحته بموقع «فيسبوك»، إن «المشيشى أثبت مرة أخرى محدوديته ووهنه وضعفه وعجزه عن الانتصار للدولة وحماية مؤسساتها السيادية». تجدر الإشارة إلى أن المشيشى توجه إلى المطار إثر حالة الفوضى التى حلت به، بعد اقتحامه من نواب ائتلاف الكرامة، وقال فى تصريحات نقلتها وسائل الإعلام المحلية إن «الحصانة لا يجب أن تكون غطاء لارتكاب أفعال خارجة عن القانون».
عربدة سياسية
وعلق المحلل السياسى محمد صالح العبيدى فى تصريحات صحفية قائلًا : «ممارسة العربدة السياسية باسم الحصانة البرلمانية من قبل ائتلاف الكرامة، تضعه محل متابعة قانونية قد تصل حد حل هذا الائتلاف، وهو أمر ممكن وفق قانون الأحزاب والدستور». وأضاف إن حادث الاعتداء على أعوان الجهاز التنفيذى «تعطى الأهلية لأصحاب القرار بالتحرك فى اتجاه إحالة ملف تجاوزات ائتلاف الكرامة للقضاء، وحل هذا المكون السياسى، لأنه ليس فوق قواعد تنظيم الحياة السياسية». واعتبر العبيدى أن «ما قام به نواب ائتلاف الكرامة سابقة خطيرة، إذ تحصن نواب فى البرلمان من أجل الاعتداء لفظيا على أعوان أمن، كما أن تونس مازالت تحت طائلة قانون الطوارئ، مما يمنح الدولة أحقية مراقبة المشبوهين فى قضايا الإرهاب، وبذلك يكون رئيس ائتلاف الكرامة ونوابه اليوم أمام مؤاخذة أخلاقية وقانونية، ويجب أن يكونوا محل تتبع قضائى من الممكن أن يقود إلى سحب عضويتهم من البرلمان». لكنه أضاف أن «التوازنات السياسية مازالت تخدم هذا الائتلاف الذى يحظى بدعم حركة النهضة، فضلًا عن كون القضاء لم يتعاف بعد بالشكل الكافى الذى يؤهله للبت فى كل التجاوزات، لذلك تقع المسئولية على عاتق القوى التقدمية التى يجب أن تتحرك وفق منظومة العمل المدنى، وليس وفق منظومة القضاء فقط، من أجل عزل ومحاسبة ممارسى العنف وداعمى الإرهاب فى البلاد». 3065